في محل رفع على الابتداء ، وخبره (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ودخول الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط ؛ وقيل : إن الموصول خبر مبتدأ محذوف ؛ وقيل : هو نعت للموصول الأوّل. وعلى الوجهين الأخيرين يكون (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) معطوفا على جملة (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ). والمعنى على الوجه الأوّل : أن الكفار الخاسرين لأنفسهم بعنادهم وتمرّدهم لا يؤمنون بما جاء به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعلى الوجهين الأخيرين : أن أولئك الذين آتاهم الله الكتاب هم الذين خسروا أنفسهم بسبب ما وقعوا فيه من البعد عن الحقّ وعدم العمل بالمعرفة التي ثبتت لهم ، فهم لا يؤمنون. قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) أي اختلق على الله الكذب فقال : إنّ في التوراة أو الإنجيل ما لم يكن فيهما (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) التي يلزمه الإيمان بها من المعجزة الواضحة البيّنة ، فجمع بين كونه كاذبا على الله ومكذّبا بما أمره الله بالإيمان به ، ومن كان هكذا فلا أحد من عباد الله أظلم منه ، والضمير في (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) للشأن.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمان الفارسيّ قال : إنا نجد في التوراة أن الله خلق السماوات والأرض ، ثم جعل مائة رحمة قبل أن يخلق الخلق ، ثم خلق الخلق فوضع بينهم رحمة واحدة وأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة فبها يتراحمون ، وبها يتعاطفون ، وبها يتباذلون ، وبها يتزاورون ، وبها تحنّ الناقة ، وبها تنتج البقرة ، وبها تيعر الشاة ، وبها تتابع الطير ، وبها تتابع الحيتان في البحر ، فإذا كان يوم القيامة جمع تلك الرحمة إلى ما عنده ، ورحمته أفضل وأوسع. وقد أخرج مسلم وأحمد وغيرهما عن سلمان عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «خلق الله يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة : منها رحمة يتراحم بها الخلق ، وتسعة وتسعون ليوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة». وثبت في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما قضى الله الخلق كتب كتابا فوضعه عنده فوق العرش : إنّ رحمتي سبقت غضبي». وقد روي من طرق أخرى بنحو هذا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدّي في قوله : (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) يقول ما استقرّ في الليل والنهار ، وفي قوله : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) قال : أما الولي فالذي تولاه ويقرّ له بالربوبية. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال : بديع السّموات والأرض. وأخرج أبو عبيد في فضائله وابن جرير وابن الأنباري عنه قال : كنت لا أدري ما فاطر السّموات والأرض؟ حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها ، يقول : أنا ابتدأتها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السديّ في قوله : (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) قال : يرزق ولا يرزق. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) قال : من يصرف عنه العذاب. وأخرج أبو الشيخ عن السدّي في قوله : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) يقول : بعافية. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : جاء النحام بن زيد وقردم ابن كعب وبحري بن عمير فقالوا : يا محمد! ما تعلم مع الله إلها غيره؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا إله إلا الله ، بذلك بعثت ، وإلى ذلك أدعو» فأنزل الله : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) الآية. وأخرج