كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) أي لا قادر على كشفه سواه (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) من رخاء أو عافية (فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن جملة ذلك المسّ بالشرّ والخير. قوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) القهر : الغلبة ، والقاهر : الغالب ، وأقهر الرجل : إذا صار مقهورا ذليلا ، ومنه قول الشاعر (١) :
تمنّى حصين أن يسود جذاعه |
|
فأمسى حصين قد أذلّ وأقهرا |
ومعنى (فَوْقَ عِبادِهِ) فوقية الاستعلاء بالقهر والغلبة عليهم ، لا فوقية المكان كما تقول : السلطان فوق رعيته : أي بالمنزلة والرفعة. وفي القهر معنى زائد ليس في القدرة ، وهو منع غيره عن بلوغ المراد (وَهُوَ الْحَكِيمُ) في أمره (الْخَبِيرُ) بأفعال عباده. قوله : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) أيّ : مبتدأ ، وأكبر : خبره ، وشهادة : تمييز ، والشيء : يطلق على القديم والحادث ، والمحال والممكن. والمعنى : أيّ شهيد أكبر شهادة ، فوضع شيء موضع شهيد ؛ وقيل إن (شَيْءٍ) هنا موضوع موضع اسم الله تعالى. والمعنى : الله أكبر شهادة ؛ أي انفراده بالربوبية ، وقيام البراهين على توحيده ، أكبر شهادة وأعظم فهو شهيد بيني وبينكم ؛ وقيل إن قوله : (اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) هو الجواب ، لأنه إذا كان الشهيد بينه وبينهم كان أكبر شهادة له صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : إنه قد تمّ الجواب عند قوله : (قُلِ اللهُ) يعني الله أكبر شهادة ، ثم ابتدأ فقال : (شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي هو شهيد بيني وبينكم. قوله : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) أي أوحى الله إليّ هذا القرآن الذي تلوته عليكم لأجل أن أنذركم به وأنذر به من بلغ إليه ؛ أي كلّ من بلغ إليه من موجود ومعدوم سيوجد في الأزمنة المستقبلة ، وفي هذه الآية من الدلالة على شمول أحكام القرآن لمن سيوجد كشمولها لمن قد كان موجودا وقت النزول ما لا يحتاج معه إلى تلك الخزعبلات المذكورة في علم أصول الفقه ، وقرأ أبو نهيك (وَأُوحِيَ) على البناء للفاعل ، وقرأ ابن عدي على البناء للمفعول. قوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) الاستفهام للتوبيخ والتقريع على قراءة من قرأ بهمزتين على الأصل أو بقلب الثانية ، وأما من قرأ على الخبر فقد حقّق عليهم شركهم ، وإنما قال : (آلِهَةً أُخْرى) لأنّ الآلهة جمع ؛ والجمع يقع عليه التأنيث ، كذا قال الفرّاء ، ومثله قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٢) وقال : (فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى)(قُلْ لا أَشْهَدُ) أي فأنا لا أشهد معكم ، فحذف لدلالة الكلام عليه ، وذلك لكون هذه الشهادة باطلة ، ومثله (فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) وما : في (مِمَّا تُشْرِكُونَ) موصولة أو مصدرية ؛ أي من الأصنام التي تجعلونها آلهة ، أو من إشراككم بالله. قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) الكتاب : للجنس فيشمل التوراة والإنجيل وغيرهما ؛ أي يعرفون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال به جماعة من السلف ، وإليه ذهب الزجاج ؛ وقيل : إن الضمير يرجع إلى الكتاب : أي يعرفونه معرفة محققة بحيث لا يلتبس عليهم منه شيء ، و (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) بيان لتحقق تلك المعرفة وكمالها وعدم وجود شك فيها ، فإن معرفة الآباء للأبناء هي البالغة إلى غاية الإتقان إجمالا وتفصيلا. قوله : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ)
__________________
(١). هو المخبل السعدي.
(٢). الأعراف : ١٨٠.