حُكْماً عَرَبِيًّا) أي مثل ذلك الإنزال البديع أنزلنا القرآن مشتملا على أصول الشرائع وفروعها ؛ وقيل : المعنى : وكما أنزلنا الكتب على الرسل بلغاتهم كذلك أنزلنا عليك القرآن بلسان العرب ، ويريد بالحكم ما فيه من الأحكام أو حكمة عربية مترجمة بلسان العرب ، وانتصاب حكما على الحال (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) التي يطلبون منك موافقتهم عليها كالاستمرار منك على التوجه إلى قبلتهم وعدم مخالفتك لشيء ممّا يعتقدونه (بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) الذي علّمك الله إياه (ما لَكَ مِنَ اللهِ) أي : من جنابه (مِنْ وَلِيٍ) يلي أمرك وينصرك (وَلا واقٍ) يقيك من عذابه ، والخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم تعريض لأمته ، واللام في (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) هي الموطئة للقسم ، وما لك سادّ مسدّ جواب القسم والشرط (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) أي : إن الرسل الذين أرسلناهم قبلك هم من جنس البشر لهم أزواج من النساء ولهم ذرّية توالدوا منهم ومن أزواجهم ، ولم نرسل الرسل من الملائكة الذين لا يتزوّجون ولا يكون لهم ذرّية. وفي هذا ردّ على من كان ينكر على رسول الله صلىاللهعليهوسلم تزوّجه بالنساء ؛ أي : إن هذا شأن رسل الله المرسلين قبل هذا الرسول فما بالكم تنكرون عليه ما كانوا عليه (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : لم يكن لرسول من الرسل أن يأتي بآية من الآيات ، ومن جملتها ما اقترحه عليه الكفار إلا بإذن الله سبحانه. وفيه ردّ على الكفار حيث اقترحوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الآيات ما اقترحوا بما سبق ذكره (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) أي : لكل أمر ممّا قضاه الله ، أو لكل وقت من الأوقات التي قضى الله بوقوع أمر فيها كتاب عند الله يكتبه على عباده ويحكم به فيهم. وقال الفراء : فيه تقديم وتأخير. والمعنى : لكلّ كتاب أجل ، أي : لكل أمر كتبه الله أجل مؤجل ووقت معلوم كقوله سبحانه : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) (١) ، وليس الأمر على حسب إرادة الكفار واقتراحاتهم ، بل على حسب ما يشاؤه ويختاره (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) أي : يمحو من ذلك الكتاب ويثبت ما يشاء منه ، يقال : محوت الكتاب محوا إذا أذهبت أثره. قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم «ويثبت» بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد ، واختار هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد. وظاهر النظم القرآني العموم في كل شيء مما في الكتاب فيمحو ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر أو خير أو شرّ ، ويبدل هذا بهذا ، ويجعل هذا مكان هذا و (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢) ، وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وابن عباس وأبو وائل وقتادة والضحّاك وابن جريج وغيرهم. وقيل : الآية خاصة بالسّعادة والشّقاوة ؛ وقيل : يمحو ما يشاء من ديوان الحفظة ، وهو ما ليس فيه ثواب ولا عقاب ويثبت ما فيه الثواب والعقاب ؛ وقيل : يمحو ما يشاء من الرزق ، وقيل : يمحو من الأجل ؛ وقيل : يمحو ما يشاء من الشرائع فينسخه ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ؛ وقيل : يمحو ما يشاء من ذنوب عباده ويترك ما يشاء ؛ وقيل : يمحو ما يشاء من الذنوب بالتوبة ويترك ما يشاء منها مع عدم التوبة ؛ وقيل : يمحو الآباء ويثبت الأبناء ؛ وقيل : يمحو القمر ويثبت الشمس كقوله : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) (٣) وقيل : يمحو ما يشاء من الأرواح التي يقبضها حال النوم فيميت صاحبه ويثبت ما يشاء فيردّه إلى صاحبه ؛ وقيل : يمحو ما يشاء
__________________
(١). الأنعام : ٦٧.
(٢). الأنبياء : ٢٣.
(٣). الإسراء : ١٢.