ولم يكن ينبغي له أن يكذبني ، أما تكذيبه إياي فقال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) وقلت : (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) وأما سبّه إياي ، فقال : (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) ، وقلت : (هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) هكذا ذكره أبو هريرة موقوفا ، وهو في الصحيحين مرفوعا بلفظ آخر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ) يقول : للناس عامة.
(وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠))
قد تقدّم تحقيق معنى الهجرة في سورة النساء ، وهي ترك الأهل والأوطان ، ومعنى (هاجَرُوا فِي اللهِ) في شأن الله سبحانه وفي رضاه ، وقيل : (فِي اللهِ) في دين الله ، وقيل : «في» بمعنى اللام ، أي : لله (مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) أي : عذّبوا وأهينوا ، فإنّ أهل مكة عذّبوا جماعة من المسلمين حتى قالوا ما أرادوا منهم ، فلما تركوهم هاجروا. وقد اختلف في سبب نزول الآية ، فقيل : نزلت في صهيب وبلال وخبّاب وعمار. واعترض بأن السورة مكية ، وذلك يخالف قوله : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا). وأجيب بأنه يمكن أن تكون هذه الآية من جملة الآيات المدنية في هذه السورة كما قدّمنا في عنوانها ، وقيل : نزلت في أبي جندل بن سهيل ، وقيل : نزلت في أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم لما ظلمهم المشركون بمكة وأخرجوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً).
اختلف في معنى هذا على أقوال ؛ فقيل : المراد نزولهم المدينة قاله ابن عباس والحسن والشعبي وقتادة ؛ وقيل : المراد الرزق الحسن ؛ قاله مجاهد ؛ وقيل : النصر على عدوّهم ؛ قاله الضحّاك : وقيل : ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات ؛ وقيل : ما بقي لهم فيها من الثناء وصار لأولادهم من الشرف. ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور ؛ ومعنى (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) لنبوّئنهم مباءة حسنة أو تبوئة حسنة ، فحسنة صفة مصدر محذوف (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ) أي : جزاء أعمالهم في الآخرة (أَكْبَرُ) من أن يعلمه أحد من خلق الله قبل أن يشاهده ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً