وفيما تقدم بالصدقة ، وطرائق اللف والنشر العكس ، لكن الجواب : أنه لما قال ذكر الصدقة يطول الكلام فيه قدم الكلام على الربا ، ثم عاد إلى الصدقة ، فإن قلت : هلا قيل يمحق الله المال الذي يربى ، الربا فهو أبلغ في التخويف ؛ لأن يمحق المال الذي فيه الربا [١٦/٧٦ و] أشد ؛ لاستلزامه محق الربا وزيادة ، فالجواب : أن هذا أحلى من محق الدين ، والمخاطبون عوام.
قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ).
ابن عطية : يريد والله أعلم توفيق الكافر ، أي لا يأثم ، قاله ابن فورك ، ابن عطية : وهذا غير صحيح بل الله يحب التوفيق على العموم ويجيبه ، قلت : وسمعت القاضي أبا العباس ابن حيدرة ، وإسحاق أبا القاسم الغبريني يقولان : هذه نزعة اعتزالية عمل فيها ، واعتزل من حيث لا يشعر بل الله يحب الخير والشر ، يقال : إن يكون في ملكه ما لا يريد ، والرجل لا شك في فضله ودينه.
ابن عرفة : إن قلنا إن نقيض المستحب مكروه والمعنى ظاهر ، وإن قلنا : إن نقيضه غير مكروه ، فهل لا قيل : والله يكره كل كفار أثيم ؛ لأن نفي المحبة أعم من الكراهة وعدمها؟ قال : وعادتهم يجيبون بقول العرب في المدح التام حبذا زيد ، وفي الخبر التام لا حبذا زيد ، فنفي المحبة عندهم يستلزم الكراهة ، فإن قلت : هلا قيل : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) فهو أبلغ فالجواب : أنه لما كان النفي أخص كان النفي أعم.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
قال هنا : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) وقال فيما سبق (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) لوجهين :
الأول : أن السابق أكمل وأبلغ ، لقوله تعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) فأكده بالسر والعلانية ، وهنا لم يؤكده كذلك.
قيل لابن عرفة : الأعمال الصالحة تشمل النفقة ، وغيرها ، فقال : تستلزم مطلق النفقة وذلك نفقة خاصة.