قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً).
قال ابن عرفة : إن أراد بالأول الدين وبهذا الحاضر فيكون هذا استثناء منقطعا ، وإن أريد بالأول مطلق المعاملة فهو متصل ، فإن قلت : هل في الآية دليل لمن يقول أن الاستثناء من الإثبات ليس بمنفي بالاستدلال ، لقوله تعالى : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى) لقوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) وإلا لما كان له فائدة؟ فالجواب : أن الأول تناول الكتب والأشهاد فلو لم يذكر هذه الزيادة لأدى إلى إمهال الأشهاد والكتب ، فأفادت هذه الزيادة رفع الجناح عن الكتب في الحاضر وبقاء الأمر في الأشهاد ، وفيها من غير كتب أبو حيان ، وقيل : الاستثناء متصل راجع لقوله : (وَلا تَسْئَمُوا) وقدر أبو البقاء منع الاتصال في الاستثناء لا تظاهر بالاستشهاد في كل معاملة واستثنى منه التجارة الحاضرة ، والتقدير إلا في حال الحضور للتجارة ، قال السفاقسي : وفي هذا التقدير نظر فتأمله.
قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ).
هذه تضمنت الأشهاد من غير كتب فلا تناقض قوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَّا تَكْتُبُوها) لأن تلك إنما اقتضت رفع الجناح من الكتب ، ورفع نفي الأشهاد مطلوب.
قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ).
يحتمل أن يكون أصله يضارر مبنيا للفاعل ، أو يضارر مبنيا للمفعول.
ابن عرفة : ويصح حمله على الأمرين معا على القول بجواز تقييم اللفظ المشترك في مفهوميه معا ، كما قالوا في الضرار الجوز ونحوه ، قيل له : هذا لفظان وذلك إنما هو اللفظ الواحد ، كذا قال الفخر ، فقال قال سيبويه في المشترك : إنهما لفظان دالان على معنيين ذكره في باب المستقيم والإحالة في وحدته ، وقال ابن التلمساني في شرح المعالم الفقهية في المسألة الخامسة من الباب الثالث : في قوله تعالى : (وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ) أنه يحتمل أن يكون مضافا للفاعل ، والمفعول معا ثم فإن ضمناه في الأمرين يلزم أن يكون مرفوعا ومنصوبا في حالة واحدة ، وذلك جمع بين النقيضين ، فإن قلت : لم عبر في شهيد بلفظ المبالغة دون كاتب على الشهادة والمعروف المنع ، وبعضهم أجاز إذا كان منقطعا عن أسبابه إليها ، وقيل : إن كان له من المعرفة؟ فالجواب : أن ذلك فيمرون وبلغ إلى درجة العدالة ، واختلف في جواز أخذ الأجرة