قوله تعالى : (قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ).
ابن عرفة : انظر إلى شدة هلعهم وخوفهم وتكاسلهم وعدم وثوقهم بما وعدهم موسى من أنهم لو مضوا إليها يدخلونها حتما ويظفرون بأهلها ، فجعلوا المانع لهم من دخولها وجود مطلق قوم جبارين فيها فضلا عن أن يكون أهلها كلهم جبارين حتى عرض منها بالغوا في الامتناع من الدخول بنفيهم الدخول بكلمة لن وجعلوا النفي معنا بحتى المقتضية لدخول ما بعدها فيما قبلها ، فإن قلت : ما أفاد قوله تعالى : (فَإِنْ يَخْرُجُوا) مع أن مفهوم الجملة الغائبة تقتضيه؟ فالجواب : أنه أفاد تأكيدهم دخولهم لها بأن مع الجملة الاسمية المقتضية لكمال دخولهم لها بعد ذلك وثبوته ولزومه.
قيل لابن عرفة : وأراد نفي ما يتوهم من دخول ما بعد حتى فيما قبلها ، كما قلتم : أكلت السمكة حتى رأسها فيتوهم أنهم قصدوا نفي الدخول أبدا.
قوله تعالى : (ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ).
ولم يقل : ادخلوا إشارة إلى الأمر بقتالهم حتى تهزمونهم فيلجأون إلى باب المدينة فيدخلون عليهم.
قوله تعالى : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ).
قال الزمخشري : هلا اكتفى بجواب الشرط منفيا بلفظ المستقبل كما أتى في الشرط مثبتا بلفظ الفعل ، وأجاب بجواب لا ... (١) وهو أن قال : إنما جاء هكذا ليفيد أنه لا يفعل ما يكسب به هذا الوصف المنتفي ، ولذلك أكده باللام المؤكدة للنفي ، وأجاب ابن عرفة بوجهين :
الأول : أن الأمر الثابت الواقع لا يندفع إلا بالأمر القوي البليغ ، ونفي بسط اليد للقتل يتقرر ثبوته بأحد أمرين :
أحدهما : نفي بسط اليد من أصل الكف ، والمدافعة [...] عن بسطها للقتل فنفاهما بالأمر الأبلغ ليثبت نقيضه وهو قتل أخيه إياه.
الوجه الثاني : أنه نفى بسط يده إليه ليقتله فلذلك نفاه بالاسم ، ونفى بسط يده إليه ليكف عن نفسه ويدافعه إشعارا بأنه لا يقتله.
قوله تعالى : (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ).
__________________
(١) طمس في المخطوطة.