قال ابن عرفة : إن كان هذا القول في الآخرة فهو توبيخ للكفار ، وإن كان في الدنيا فهو استنطاق له لينطق بالتبرئة بمحضر الملائكة ، والقول إما مباشرة أو على لسان ملك ، وفرق البيانيون بين قولك : أنت قلت هذا القول ، وبين قولك : قلت أنت هذا القول ، فإذا دخل الاستفهام على الفعل يكون إنكارا للفعل ، فإذا دخل على الاسم يكون إنكارا للنسبة أي لنسبة الفعل إلى من أسند إليه ، فالمقالة هنا واقعة لكن الإنكار إنما تسلط على نسبتها إليه ، فإن قلت : هم إنما اتخذوهما إلهين مع الله لا من دونه ، قلنا : القدر الذي عبدوهما فيه من دون الله ، وأيضا فمقام الربوبية يقتضي الاختصاص بدليل التمانع بكونهم شركوا الغير مع الله يقتضي عبادتهم له من دونه وكأنهم لم يعبدوا الله أصلا.
قوله تعالى : (قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ).
قال ابن عرفة : نفى هنا الأخص ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم ، لقوله (ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) فلو حذف لي وقال : ما ليس بحق بالإطلاق لكان النفي أبلغ ؛ لأنه يقول ما هو حق له ، ألا ترى أن الشخص إذا قال : لا أطلب ما ليس لي بحق يفهم أنه يطلب ما هو حق له؟ فلو قال : لا أطلب ما ليس بحق بالإطلاق ، والجواب أن الأمر في هذا كله مستو بينه وبين غيره فالأخص منهما مساو للأعم فيلزم من نفيه نفيه.
قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ).
ابن عرفة : كان الشيخ أبو إسحاق إبراهيم السبيلي ذكر في الخطبة : النفس في الله فأنكرها عليه ابن مرزوق ، فرد عليه بهذه الآية فسكت وسلم له.
ابن عرفة : وهو خطأ ؛ لأن هذا إنما هو على سبيل المشاكلة مثل (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [سورة آل عمران : ٥٤].
قوله تعالى : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ).
ابن عرفة : هذا الحصر تارة يكون لازما وتارة يكون غير لازم ، يقول : ما قتل عمرو إلا الفلج ، فإن خاطبت من يعتقد أن الموالي لا يتجاسرون على قتل أشراف الأحرار ويجوز أن يكون غيره قتله ، ولا يجوز أن يقتله غيره لما فيه من الجرأة والإقدام على عظائم الأمور دون من سواه كان الحصر تأكيدا ، والخطاب هنا لله تعالى العالم بخفيات الأمور ، فهلا قال لهم : ما أمرتني به دون أداة الحصر.
قال ابن عرفة : وعادتهم يجيبون بما تقرر في علم المنطق من أنه لا تناقض بين النقيضين الوقتيين ولا بين المطلقتين ، ولا بين المطلقة والوقتية ، كقولك : زيد قائم