الثاني : أن المراد بالوعد مجموع البداء والإعادة ؛ لأن في كل واحد منهما نظر ، والمجموع مستقل ، كما قالوا في حد القياس : أنه حمل معلوم في إثبات حكم السماء وتقف عنهما ، فأورد عليه أنه يلزم منه أن يكون حكم الأصل ثابتا بالقياس ، وأجابوا بأن المراد ثبوت المجموع لا ثبوت كل واحد.
وقال ابن عرفة مرة أخرى على هذا يكون الوعد تعلق بأمرين الإبداء والإعادة فمتعلقة بالإعادة ظاهر ، وأما تعلقه بالإبداء ففيه نظر ؛ لأن الوعد إنما يتعلق بالمستقبل ، والجواب إما بأن الوعد قد حصل في الأولى فهو متقدم على الإبداء ، وإما بأنه باعتبار المجموع فيكون تعلق بالمجموع من حيث كونه مجموعا.
قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ).
ابن عرفة : يحتمل أن يكون من باب حذف الفاعل فذكر في الثاني ما يقع به الجزاء ، وحذف كيفه كدلالة الأول ما يقع به الجزاء لدلالة الثاني عليه ، وذكر كيفه ، والتقدير ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط الثواب الجزيل ، والذين كفروا بالقسط يجزيهم ولهم شراب من حميم وعذاب أليم.
وقوله : (بِالْقِسْطِ) يحتمل أن يرجع إلى عملهم أو إلى أجزاء عملهم.
وقوله : (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) من باب عطف العام على الخاص ، وكان بعضهم يقول : إنما التي به كذلك ؛ لأن الشراب أمر وجودي محسوس والعذاب أمر معنوي ، والوجودي لا يدخل تحت المعنوي فهما مختلفان.
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً).
قال ابن عطية : النور أضعف من الضياء فكيف صح إسناده إلى الله تعالى في قوله تعالى : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [سورة النور : ٣٥] وفي الحديث" نور أنّى أراه" لما سئل هل رأى ربه أم لا؟ وأجاب بأن الضياء عام يتعلق بكل شيء ، والنور خاص ببعض دون بعض ، ولذلك وجدنا نور السراج يشرق على موضع دون موضع ، فلو نسب القتال إلى الله تعالى لكان الإيمان اضطراريا ، فلأن يكون كل واحد مؤمنا إيمانا ضروريا لظهور الأشياء تأكيد بعضه بهيئة ، فلذلك أسند النور إليه تنبيها على أنه تارة يظهر دلائل على وجوده ووحدانيته ، وصفات كماله لقوم ، وتارة يخفي عن آخرين.