فالجواب : أن نفي الأخص هنا يستلزم نفي الأعم لأنه قال لهم (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [سورة الأعراف : ١٥٨] فكذبوه في هذه المقالة فإذا كذبوه فيها فهم لم يصدقوه في نبوته لأن النبي لا يكذب.
قوله تعالى : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ).
هذا من كمال الاتصاف مثل (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سورة سبأ : ٢٤] فمعنى الآية الله شهيد علي وعليكم فيعلم المحق من المبطل فيجازي كلا بفعله وقوله (شَهِيداً) من بياء المبالغة ، والمبالغة فيه إما [...] متعلقة شهادته لأنها عامة في كل أحد.
قال تعالى : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) [سورة غافر : ١٩] والمبالغة في نفس الشهادة باعتبار استيفاء وجوهها وجميع شرائطها حتى لا يشذ عنه من حال المشهود عليه في نفس الشهادة هي ، قوله تعالى : (شَهِيداً) يعم الدنيا والآخرة فالدنيا باعتبار ظهور المعجزات على يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهي تنزل منزلة قوله صدق عبدي فصار كالشهادة لأحد الخصمين بالصدق في دعواه باعتبار أي القرآن.
قال تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [سورة آل عمران : ١٤٤] وأما الآخرة فباعتبار مجازاته إياهم وعقابهم على تكذيبهم قوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) المصدر مضاف للمفعول أي ومن يعلم الكتاب والمراد بمن عنده إما الصحابة والكتاب القرآن أو الله تعالى واللوح المحفوظ ، وقيل : المراد بها من أسلم من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام ، والكتاب التوراة والإنجيل ، قال ابن الخطيب : هذه السورة مكية وعبد الله بن سلام إنما أسلم بعد ذلك فكيف يقال إنه هو المراد بقوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) لأنه لا يشهد حينئذ أو هو كافر ، أجاب : باحتمال أن تكون هذه الآية خاصة منها مدنية وبالله تعالى التوفيق.