ثم بين تخليق عيسى بلا أب لقول وفد بنى نجران : ائتنا بحجة من القرآن على قولك : إن عيسى ليس ولد الله ، فقال الله : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى) مثل تخليق عيسى (عِنْدَ اللهِ) بلا أب (كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) بلا أب وأم (ثُمَّ قالَ لَهُ) لعيسى (كُنْ فَيَكُونُ (٥٩)) ولدا بلا أب (الْحَقُ) هو الخبر الحق (مِنْ رَبِّكَ) أن عيسى لم يكن الله ولا ولده ولا شريكه (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠)) من الشاكين فيما بينت لك من تخليق عيسى بلا أب.
ثم ذكر خصومة وفد بنى نجران مع النبى (صلىاللهعليهوسلم) بعد ما بين لهم أن مثله عند الله كمثل آدم ، فقالوا ليس كما تقول إن عيسى لم يكن الله ولا ولده ولا شريكه ، فقال الله : (فَمَنْ حَاجَّكَ) فمن خاصمك (فِيهِ) فى عيسى (مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) من البيان بأن عيسى لم يكن الله ولا ولده ولا شريكه (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا) نخرج أبناءنا (وَأَبْناءَكُمْ) أخرجوا أنتم أبناءكم (وَنِساءَنا) نخرج نساءنا (وَنِساءَكُمْ) وأخرجوا أنتم نسائكم (وَأَنْفُسَنا) نخرج بأنفسنا (وَأَنْفُسَكُمْ) وأخرجوا أنتم بأنفسكم (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) نتضرع ونجتهد فى الدعاء (فَنَجْعَلْ) فنقل (لَعْنَتَ اللهِ) فيما بيننا (عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١)) على الله فى عيسى (إِنَّ هذا) الذى ذكرت يا محمد من خبر عيسى ووفد بنى نجران (لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ) الخبر الحق بأن عيسى لم يكن الله ولا ولده ولا شريكه (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللهُ) بلا ولد ولا شريك (وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَكِيمُ (٦٢)) أمر الله أن لا يعبد غيره ، ويقال : الحكم حكم عليهم الملاعنة فتولوا عن ذلك ، ولم يخرجوا فى الملاعنة مع النبى ، عليه الصلاة والسّلام ، لأنهم علموا أنهم كاذبون ، وأن محمدا نبى صادق مرسل ، وصفته ونعته فى كتابهم.
فقال الله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن دعوتكم إلى الملاعنة مع النبى (صلىاللهعليهوسلم) (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)) بنصارى بنى نجران ، ثم دعاهم إلى التوحيد ، فقال : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ) لا إله إلا الله (سَواءٍ) عدل (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) أن لا توحد إلا الله (وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) من المخلوقين (وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً) لا يطيع أحد منا أحدا من الرؤساء فى معصية الله (مِنْ دُونِ اللهِ) فأبوا عن ذلك أيضا ، فقال الله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أعرضوا ونأوا عن التوحيد (فَقُولُوا اشْهَدُوا) اعلموا أنتم (بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)) مقرون له بالعبادة والتوحيد.