(وَإِذا لَقُوا) يعنى المنافقين (الَّذِينَ آمَنُوا) يعنى أبا بكر وأصحابه (قالُوا آمَنَّا) فى السر وصدقنا بإيماننا كما أمنتم فى السر وصدقتم ، (وَإِذا خَلَوْا) رجعوا (إِلى شَياطِينِهِمْ) كهنتهم ورؤسائهم وهم خمسة نفر : كعب بن الأشرف بالمدينة ، وأبو بردة الأسلمى فى بنى أسلم ، وابن السوداء بالشام ، وعبد الدار فى جهينة ، وعوف ابن عامر فى بنى أسد ، (قالُوا) إذا رجعوا إلى رؤسائهم لرؤسائهم (إِنَّا مَعَكُمْ) على دينكم فى السر (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤)) بمحمد وأصحابه حين يقول : لا إله إلا الله ، (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) فى الآخرة يفتح لهم بابا إلى الجنة فيستهزئ بهم المؤمنون ، (وَيَمُدُّهُمْ) يتركهم فى الدنيا (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)) كفرهم وضلالتهم يعمهون يمضون عميا لا يبصرون (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) اختاروا الكفر على الإيمان وباعوا الهدى بالضلالة ، (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) فلم يرعوا أن تجارتهم قد خسروا أنفسهم (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)) عن الضلالة ، أى أنهم ما كانوا على الصواب فى الدنيا فينجون من النار فى الآخرة ، ولا يفوزون بالجنة.
(مَثَلُهُمْ) مثل المنافقين مع محمد (صلىاللهعليهوسلم) (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) أوقد نارا فى ظلمة الليل لكى يأمن بها على ماله ونفسه وأهله ، (فَلَمَّا أَضاءَتْ) استضاءت ورأى (ما حَوْلَهُ) وأمن بها على نفسه وماله وأهله ثم طفئت ناره ، وكذلك المنافقون آمنوا بمحمد (صلىاللهعليهوسلم) والقرآن فأمنوا به على أنفسهم وأموالهم وأهاليهم من السبى والقتل ، فلما ماتوا ، (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) بمنفعة إيمانهم (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) يعنى فى شدائد القبر (لا يُبْصِرُونَ (١٧)) الرخاء بعد ذلك ، ويقال : مثلهم مثل اليهود مع محمد (صلىاللهعليهوسلم) كمثل رجل أقام فى هزيمة فاجتمع إليه المنهزمون فقلبوا عليهم وذهبت منفعتهم وأمنهم به ، كذلك اليهود كانوا يستنصرون بمحمد (صلىاللهعليهوسلم) قبل خروجه ، فلما خرج كفروا به فذهب الله بنورهم ، برغبتهم فى إيمانهم ومنفعة إيمانهم ؛ لأنهم أرادوا أن يؤمنوا بمحمد فلم يؤمنوا وتركهم فى ظلمات وفى ضلالة اليهودية لا يبصرون الهدى (١).
(صُمٌ) يتصاممون (بُكْمٌ) يتباكمون (عُمْيٌ) يتعامون (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨)) عن كفرهم وضلالتهم (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) وهذا مثل آخر ، يقول : مثل المنافقين واليهود مع القرآن ، كصيب : كمطر نزل من السماء ليلا على قوم
__________________
(١) انظر : معانى القرآن للفراء (١ / ١٩) ، وغريبه لابن قتيبة (٤٣) ، والطبرى (١ / ١٣٠) ، والبحر المحيط لأبى حيان الأندلسى (١ / ١٠٥) ، وزاد المسير (١ / ٥٠) ، القرطبى (١ / ٢٣٢).