نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) بشرط أو بغير شرط فوفيتم به (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) فيجازيكم به.
فإن قيل : لم وحّد الضمير في يعلمه وقد تقدّم شيئان : النفقة والنذر؟ أجيب : بأنّ العطف بأو وهي لأحد الشيئين تقول : زيد أو عمرو أكرمته ، ولا يجوز أكرمتهما بل يجوز أن يراعى الأول نحو زيد أو هند منطلق ، والثاني نحو زيد أو هند منطلقة ، والآية من هذا ، ومن مراعاة الأوّل (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة ، ١١] ولا يجاز أن يقال : منطلقان ولهذا أوجل النحاة قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما) [النساء ، ١٣٥] كما سيأتي إن شاء الله تعالى (وَما لِلظَّالِمِينَ) بمنع الزكاة والنذر أو بوضع الإنفاق في غير محله من معاصي الله تعالى (مِنْ أَنْصارٍ) أي : من ينصرهم من الله ويمنعهم من عذابه فهو على طريق التوزيع والمقابلة أي : لا ناصر لظالم قط فسقط ما يقال إنّ نفي الأنصار لا يوجب نفي الناصر.
(إِنْ تُبْدُوا) أي : تظهروا (الصَّدَقاتِ) أي : النوافل (فَنِعِمَّا هِيَ) أي : فنعم شيئا إبداؤها ، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون ، والباقون بكسرها ، وقرأ قالون وأبو عمرو باختلاس كسرة العين ، والباقون بالكسرة الكاملة.
(وَإِنْ تُخْفُوها) أي : تسروها (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) أي : تعطوها لهم في السر (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي : أفضل من إبدائها وإيتاؤها للفقراء أفضل من إيتائها للأغنياء. سئل صلىاللهعليهوسلم هل صدقة السر أفضل أم صدقة العلانية؟ فنزلت هذه الآية ، وفي الحديث : «صدقة السر تطفىء غضب الرب» (١) وقال صلىاللهعليهوسلم : «سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله تعالى ، ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله تعالى فاجتمعا على ذلك وتفرّقا ، ورجل ذكر الله تعالى خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله تعالى ، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» (٢) نعم إن كان ممن يقتدى به فالإظهار في حقه أفضل ، أما صدقة الفرض فالأفضل إظهارها ، كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل والنافلة في البيت أفضل وليقتدى به ، لئلا يتهم ولا يجوز دفع شيء منها للأغنياء. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا ، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا» (٣).
تنبيه : الصدقة تطلق على الفرض والنفل قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) [التوبة ، ١٠٣] وقال عليه الصلاة والسّلام : «نفقة المرء على عياله صدقة» (٤) والزكاة لا تطلق إلا على الفرض (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي : بعضها وقيل : من صلة ، وقرأ ابن عامر وحفص بالياء
__________________
(١) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٣ / ١١٥ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٤ / ١١٤ ، ١٦٧ ، ١٧٣ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ / ٣٥٤ ، والقرطبي في تفسيره ٣ / ٣٣٢.
(٢) أخرجه البخاري في الآداب حديث ٦٦٠ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٠٣١ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٩١ ، والنسائي في القضاة حديث ٥٣٨٠.
(٣) أخرجه الطبري في تفسيره ٣ / ٩٢.
(٤) روي الحديث بلفظ : «نفقة الرجل على أهله صدقة» أخرجه بهذا اللفظ الترمذي حديث ١٩٦٥ ، وابن حجر في فتح الباري ٧ / ٣١٧.