التحتية ، والباقون بالنون. وقرأ نافع وحمزة والكسائي بجزم الراء بالعطف على محل فهو ، والباقون بالرفع على الاستئناف.
وقوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) فيه ترغيب في الإسرار لأنه عالم بباطن الشيء كظاهره ولا يخفى عليه شيء منه.
ولما منع النبيّ صلىاللهعليهوسلم المسلمين من التصدّق على فقراء المشركين ، كي تحملهم الحاجة ليسلموا نزل : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) أي : لا يجب عليك أن تجعل الناس مهديين فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها ، وإنما عليك الإرشاد والحث على المحاسن والنهي عن القبائح كالمن والأذى وإنفاق الخبيث.
وقوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي : هداية التوفيق صريح بأنّ الهداية من الله وبمشيئته وإنما تخص بقوم دون قوم ، أما هدى البيان فكان على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأعطوهم بعد نزول الآية (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ) أي : من مال.
وقوله تعالى : (فَلِأَنْفُسِكُمْ) خبر لمبتدأ محذوف أي : فهي لأنفسكم ؛ لأنّ ثوابه لها فلا تمنوا به على غيركم ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم ولا تنفقوا الخبيث.
وقوله تعالى : (وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) عطف على ما قبله أي : وليس نفقتكم إلا ابتغاء وجه الله ، ولطلب ما عنده ، فما لكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى الله تعالى (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) ثوابه أضعافا مضاعفة ، فلا عذر لكم في أن ترغبوا على إنفاقه وأن يكون على أحسن الوجوه وأجلها ، والجملتان تأكيد للأولى وهي وما تنفقوا من خير فلأنفسكم أو ما يخلف المنفق استجابه لقوله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم اجعل لمنفق خلفا ولممسك تلفا» (١) رواه البخاري.
(وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) أي : لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئا تفضلا من الله تعالى عليكم ، وهذا في صدقة التطوّع أباح الله تعالى أن توضع في أهل الإسلام وأهل الذمة وقيل : حجت أسماء بنت أبي بكر فأتتها أمها تسألها وهي مشركة فأبت أن تعطيها فنزلت.
وروى النسائي والحاكم أنّ ناسا من المسلمين كانت لهم أصهار في اليهود ورضاع ، وقد كانوا ينفقون عليهم قبل الإسلام فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوا عليهم فنزلت. وعن بعض العلماء :
لو كان المنفق عليه أشر خلق الله كان لك ثواب نفقتك. وأمّا الصدقة المفروضة فلا يجوز وضعها إلا في المسلمين أهل السهمان المذكورين في سورة التوبة ، لكن جوّز أبو حنيفة رحمهالله صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة.
وقوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ) خبر مبتدأ محذوف أي : صدقاتكم للفقراء أو متعلق بفعل مقدر كاجعلوا ما تنفقون للفقراء (الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : حبسوا أنفسهم على الجهاد وهم فقراء المهاجرين ، كانوا نحوا من أربعمائة لم يكن لهم مساكن بالمدينة ولا عشائر ، كانوا يسكنون صفّة المسجد ، يستغرقون أوقاتهم بالتعلم والعبادة ، وكانوا يخرجون في كل سرية يبعثها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم المشهورون بأصحاب الصّفّة ، فحث الله عليهم الناس فكان من عنده فضل أتاهم به إذا أمسى.
__________________
(١) أخرجه البخاري في الزكاة حديث ١٤٤٢ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٠١٠.