أكله (فَلَهُ ما سَلَفَ) أي : ما مضى قبل النهي فلا يستردّ منه ما أخذه من الربا وقيل : ما مضى من ذنبه قبل النهي مغفور له (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) بعد النهي إن شاء عصمه حتى يثبت على الانتهاء وإن شاء خذله حتى يعود. وقيل : أمره إلى الله فيما يأمره وينهاه ويحل له ويحرم عليه وليس له من أمر نفسه شيء (وَمَنْ عادَ) إلى تحليل الربا مشبها له بالبيع في الحل (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لأنهم كفروا بذلك وورد أنه صلىاللهعليهوسلم لعن آكل الربا ومؤكله والواشمة والمستوشمة والمصوّر وأنه صلىاللهعليهوسلم قال : «الربا سبعون بابا أهونها عند الله عزوجل كالذي ينكح أمّه» (١).
(يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا) أي : يذهب بركته ويهلك المال الذي يدخل فيه. وعن ابن مسعود الربا وإن كثر فإلى قل (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) أي : يضاعف ثوابها ويبارك فيما أخرجت منه.
روى الشيخان أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ الله تعالى يقبل الصدقة ويربيها كما يربي أحدكم فلوه» (٢).
وروى الإمام أحمد : «ما نقص مال من صدقة» (٣)(وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ) أي : مصرّ على تحليل المحرّمات كمن يحلّل الربا (أَثِيمٍ) منهمك في ارتكابه.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله وبرسوله ربما جاء لهم عنه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) وإنما عطفهما على ما يعمهما لشرفهما (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) من آت (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على فائت وتقدّم مثل هذه الآية ولكن جرت عادة الله سبحانه وتعالى في القرآن مهما ذكر وعيدا ذكر بعده وعدا ، فلما بالغ هنا في وعيد الربا أتبعه بهذا الوعد.
فإن قيل : إن الإنسان إذا بلغ عارفا بالله وقبل وجوب الصلاة والزكاة عليه مات فهو من أهل الثواب بالاتفاق ، فدل على أن استحقاق الثواب لا يتوقف على حصول العمل أجيب : بأنه تعالى إنما ذكر هذه الخصال لا لأجل أن استحقاق الثواب مشروط بهذا بل لأجل أن لكل منهما أثرا في جلب الثواب كما قال تعالى في ضد هذا (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) [الفرقان ، ٦٨] ثم قال تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً) ومعلوم أنّ من ادعى أنّ مع الله إلها آخر لا يحتاج في استحقاقه العذاب إلى عمل آخر وإنما جمع الله تعالى الزنا وقتل النفس مع دعاء غير الله تعالى إلها لبيان أنّ كل واحد من هذه الخصال يوجب العقوبة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) أي : اتركوا بقايا ما شرطتم على الناس من الربا الذي أخذتم بعضه قبل التحريم (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي : بقلوبكم أو إن بمعنى إذ فإنّ دليل الإيمان امتثال ما أمرتم به. روي أنها نزلت لما طالب بعض الصحابة بعد النهي بربا كان له قبل.
(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي : تذروا ما بقي من الربا (فَأْذَنُوا) أي : اعلموا ، من أذن بالشيء إذا علم به أي : فاعلموا أنتم وأيقنوا (بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) لكم.
فإن قيل : هذا حكمهم إن تابوا ، فما حكمهم إن لم يتوبوا؟ أجيب : بأنّ مقتضى ذلك أنهم يقاتلون إن لم يرجعوا قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : يقال لآكل الربا يوم القيامة : خذ سلاحك
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه في التجارات حديث ٢٢٧٤.
(٢) أخرجه البخاري في الزكاة حديث ١٤١٠ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٠١٤ ، وابن ماجه في الزكاة حديث ١٨٤٢.
(٣) أخرجه الترمذي في الزهد حديث ٢٣٢٥ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٣٥ ، ٣٨٦.