للحرب ، قال أهل المعاني : حرب الله تعالى النار وحرب رسوله صلىاللهعليهوسلم السيف. وقرأ شعبة وحمزة فآذنوا بفتح الهمزة ومدّها وكسر الذال أي : فأعلموا بها غيركم وهو من الإذن وهو الاستماع لأنه من طريق العلم والباقون بسكون الهمزة وفتح الذال (وَإِنْ تُبْتُمْ) أي : تركتم استحلال الربا ورجعتم عنه (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ) بطلب الزيادة (وَلا تُظْلَمُونَ) بالنقصان عن رأس المال.
فإن قيل : هلا قال تعالى بحرب الله ورسوله؟ أجيب : بأنّ هذا أبلغ ؛ لأنّ المعنى فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم.
ولما نزلت هذه الآية قال المرابون : بل نتوب إلى الله ، فإنه لا ثبات لنا بحرب من الله ورسوله ، فرضوا برأس المال فشكا من عليه الدين العسرة وقال لمن لهم الدين : أخرونا إلى أن تدرك الغلات ، فأبوا أن يؤخروا فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ) له أي : عليكم تأخيره (إِلى مَيْسَرَةٍ) أي : وقت يسره.
تنبيه : في كان هذه وجهان : أظهرهما أنها تامّة بمعنى حدث ووجد أي : وإن حدث ذو عسرة ، فتكتفي بفاعلها كسائر الأفعال ، الثاني أنها ناقصة وخبرها محذوف ، قال أبو البقاء تقديره : وإن كان ذو عسرة لكم عليه حق أو نحو ذلك ، وقدره بعضهم وإن كان ذو عسرة غريما ، وقرأ نافع بضمّ السين والباقون بفتحها (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) أي : بالإبراء وقرأ عاصم بتخفيف الصاد والباقون بالتشديد على إدغام التاء في الأصل والتخفيف على حذفها (خَيْرٌ لَكُمْ) أي : أكثر ثوابا من الإنظار وهذا مما فضل المندوب فيه الواجب ، فإنّ الإبراء مندوب إليه والإنظار واجب فيحرم حبس المعسر ، وهل القول قوله في إعساره أو لا بدّ من بينة تشهد بذلك ينظر إن كان الدين عن عوض كالبيع والقرض فلا بدّ من بينة ، وإن كان عن غير عوض كالضمان والإتلاف والصداق ، فالقول قول المعسر بيمينه وعلى الغريم البينة إلا أن يعرف له مال فلا بدّ من بينة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) فضل التصدق على الإنظار فافعلوا. وقيل : المراد بالتصدّق الإنظار نفسه ورد هذا كما قال الإمام : بأنّ الإنظار قد علم مما قبل فلا بدّ من حمله على فائدة جديدة قال عليه الصلاة والسّلام : «لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره إلا كان له بكل يوم صدقة» (١). وروي : «من أنظر معسرا أو وضع عنه أنجاه الله من كرب يوم القيامة» (٢) وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الملائكة تلقت روح رجل كان قبلكم فقالوا له : هل عملت خيرا قط؟ قال : لا قالوا : تذكر قال : إلا أني رجل كنت أداين الناس فكنت آمر فتياني بأن ينظروا الموسر ويتجاوزوا عن المعسر. قال الله تعالى : تجاوزوا عنه» (٣) وقال صلىاللهعليهوسلم : «من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» (٤).
(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ) أي : تصيرون (فِيهِ إِلَى اللهِ) هو يوم القيامة أي : فتأهبوا لمصيركم إليه. وقرأ أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم ، والباقون بضم التاء وفتح الجيم (ثُمَّ تُوَفَّى) فيه (كُلُّ نَفْسٍ) جزاء (ما كَسَبَتْ) أي : عملت من خير أو شر (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) بنقص حسنة أو زيادة سيئة.
__________________
(١) الحديث لم أجده في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٣٠١٤.
(٣) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١٧ / ٢٣٩.
(٤) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٣٠١٤ ، والترمذي في البيوع حديث ١٣٠٦.