عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله : إن لعبدي هذا عندي عهدا وأنا أحق من وفى بالعهد أدخلوا عبدي الجنة» (١) ، روى هذا الحديث الطبراني والبيهقيّ لكن بسند ضعيف.
وقوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ) أي : المرضي (عِنْدَ اللهِ) هو (الْإِسْلامُ) جملة مستأنفة مؤكدة للأولى أي : لا دين مرضي عند الله سوى الإسلام وهو الشرع المبعوث به الرسل كما قال تعالى : (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة ، ٣] وقال تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) [آل عمران ، ٨٥] وقرأ الكسائي بفتح الهمزة إن قيل على أنه بدل من أنه إلخ .. بدل اشتمال وضعفه أبو حيان ؛ لأن فيه فصلا بين البدل والمبدل منه بأجنبي قال : والصواب أنه معمول للحكيم بإسقاط الجار أي : الحكيم بأن الدين ، والباقون بكسرها على الاستئناف (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي : من اليهود والنصارى وقيل : من أرباب الكتب المتقدّمة في دين الإسلام فقال قوم : إنه حق. وقال قوم : إنه مخصوص بالعرب ونفاه آخرون مطلقا أو في التوحيد فثلثت النصارى. وقالت اليهود : عزير ابن الله وقالوا : كنا أحق بأن تكون النبوّة فينا من قريش ؛ لأنهم أميون ونحن أهل الكتاب (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بالتوحيد أنه الحق الذي لا محيد عنه (بَغْياً) أي : ما كان الاختلاف وتظاهر هؤلاء بمذهب وهؤلاء بمذهب إلا حسدا (بَيْنَهُمْ) وطلبا للرياسة. وقيل : هو اختلاف في نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم من بعد ما جاءهم العلم ببيان بعثته في كتبهم حيث آمن به بعض وكفر به بعض وقيل : هو اختلافهم في الإيمان بالأنبياء فمنهم من آمن بموسى ومنهم من آمن بعيسى ولم يؤمن ببقية الأنبياء وقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي : المجازاة له وعيد لمن كفر منهم.
(فَإِنْ حَاجُّوكَ) أي : جادلك الذين كفروا يا محمد في الدين (فَقُلْ) لهم (أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) أي : أخلصت نفسي وجملتي لله وحده لم أجعل فيهما لغيره شركا بأن أعبده ولا أدعو إلها معه يعني : أن ديني دين التوحيد وهو الدين القويم الذي ثبت عندكم صحته كما ثبت عندي ، وما جئت بشيء مبتدع حتى تجادلوني فيه وخص الوجه بالذكر لشرفه فهو تعبير عن جملة الشخص بأشرف أجزائه الظاهرة وقوله تعالى : (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) عطف على التاء في أسلمت وحسن للفاصل ويجوز كما قال في «الكشاف» أن تكون الواو بمعنى مع فيكون مفعولا معه أي : نظرا إلى أن المشاركة بين المتعاطفين في مطلق الإسلام أي : الإخلاص لا فيه بقيد وجهه حتى يمتنع ذلك لاختلاف وجهيهما (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وهم اليهود والنصارى (وَالْأُمِّيِّينَ) أي : الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب (أَأَسْلَمْتُمْ) أي : فهل أسلمتم ما أسلمت أنا فقد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضي حصوله لا محالة ، أم أنتم بعد على الكفر وهذا كقولك لمن لخصت له المسألة ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقا إلا سلكته هل فهمتها؟ وفي هذا الاستفهام استقصار وتعيير بالمعاندة وقلة الإنصاف ؛ لأن المنصف إذا انجلت له الحجة لم يتوقف إذعانا للحق وكذلك في هل فهمتها؟ توبيخ بالبلادة. وقيل : المراد بالاستفهام هنا الأمر أي : أسلموا كما قال تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة ، ٩١] أي : انتهوا (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) أي : نفعوا أنفسهم حيث خرجوا من
__________________
(١) أخرجه البغوي في شرح السنة ١ / ٣٣٠ ، والسيوطي في الدر المنثور ٢ / ١٢ ، وابن كثير في تفسيره ٢ / ١٩ ، والقرطبي في تفسيره ٤ / ٤٢.