صلىاللهعليهوسلم بشيء من التوراة فيها الرجم مكتوب فقال له : اقرأ فلما أتى على آية الرجم وضع كفه عليها وقرأ ما بعدها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له ابن سلام : يا رسول الله قد جاوزها وقام فرفع كفه عنها ثم قرأ على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعلى اليهود أن المحصن والمحصنة إذا زنيا وقامت عليهما البينة رجما ، وإن كانت حبلى تتربص حتى تضع ما في بطنها ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم باليهوديين فرجما فغضب اليهود وانصرفوا فأنزل الله عزوجل هذه الآية (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ)(١) وأتى بثم لاستبعاد توليهم مع علمهم بأن الرجوع إلى كتاب الله تعالى واجب لا للتراخي في الزمان إذ لا تراخي فيه. وقوله تعالى : (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) أي : عن قبول حكمه جملة حالية من فريق وإنما ساغ لتخصيصه بالصفة.
(ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من التولي والإعراض (بِأَنَّهُمْ قالُوا) أي : بسبب قولهم (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) أي : قالوا ذلك بسبب تسهيلهم أمر العقاب على أنفسهم لهذا الاعتقاد المائل والطمع الفارغ عن حصول المطموع فيه وهو الخروج من النار بعد أيام قليلة وهي أربعون يوما مدّة عبادة آبائهم العجل ثم تزول عنهم (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ) والغرور هو الإطماع فيما لا يحصل منه شيء (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي : من أن النار لن تمسهم إلا أياما قلائل أو أن آبائهم الأنبياء يشفعون لهم ، أو أنه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم.
تنبيه : في دينهم متعلق بغرّهم ولا يصح تعلقه بيفترون خلافا للسيوطي ؛ لأن ما قبل الموصول لا يتعلق بما بعده.
(فَكَيْفَ) حالهم أو فكيف صنعهم (إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ) أي : في يوم (لا رَيْبَ) أي : لا شك (فِيهِ) وهو يوم القيامة وفي ذلك استعظام لما يحيق بهم في الآخرة.
روي أن أوّل راية أي : علم ترفع يوم القيامة من رايات الكفار راية اليهود فيفضحهم الله تعالى على رؤوس الأشهاد ثم يؤمر بهم إلى النار (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ) أي : من أهل الكتاب وغيرهم جزاء (ما كَسَبَتْ) أي : عملت من خير أو شر وفي ذلك دليل على أن العبادة لا تحبط وأن المؤمن لا يخلد في النار وإن دخلها ؛ لأن توفية إيمانه وعمله لا يكون في النار ولا قبل دخولها فإذا هي بعد الخلاص إن دخلها (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) أي : بنقص حسنة أو زيادة سيئة.
تنبيه : ذكر ضمير وهم لا يظلمون وجمعه باعتبار معنى كل نفس ؛ لأنه في معنى كل إنسان ، ولما فتح النبيّ صلىاللهعليهوسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم ، قال المنافقون واليهود : هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم أولم يكف محمدا مكة والمدينة حتى يطمع في ملك فارس والروم! فأنزل الله سبحانه وتعالى.
(قُلِ اللهُمَ) أي : يا الله والميم عوض عن ياء النداء ولذلك لا يجتمعان ، والتعويض من خصائص هذا الاسم كما اختص بدخولها عليه مع لام التعريف وقطع همزته وكما اختص بدخول تا القسم عليه وأمّا قولهم : ترب الكعبة فنادر (مالِكَ الْمُلْكِ) أي : مالك العباد وما ملكوا قال الله تعالى في بعض الكتب المنزلة : أنا الله ملك الملوك ومالك الملوك ، قلوب الملوك ونواصيهم بيدي ، فإن العباد أطاعوني جعلتهم عليهم رحمة ، وإن عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسب الملوك ولكن توبوا إليّ أعطفهم عليكم. وهذا معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «كما تكونوا يولى عليكم» (٢)
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الحدود حديث ٤٤٥٠.
(٢) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ١٤٩٧٢ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ١٨٤ ، وعلي القاري في الأسرار المرفوعة ٢٤٢.