وقيل : «قال رجل : يا رسول الله نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟
قال : «ما ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله» (١) والبشر جميع بني آدم لا واحد له من لفظه كالقوم ويوضع موضع الجمع والواحد (وَلكِنْ) يقول : (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) أي : علماء عاملين منسوب إلى الرب بزيادة ألف ونون تفخيما كما يقال رقباني ولحياني وهو الشديد التمسك بدين الله تعالى وطاعته ، وقيل : الرباني هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره ، وقيل : الربانيون فوق الأحبار والأحبار العلماء والربانيون الذين جمعوا مع العلم البصارة لسياسة الناس. وعن الحسن : ربانيين علماء فقهاء ، وحكي عن عليّ رضي الله تعالى عنه أنه قال : هو الذي يربي علمه بعمله. وقال محمد ابن الحنفية يوم مات ابن عباس رضي الله تعالى عنهم : اليوم مات رباني هذه الأمّة (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) أي : بسبب كونكم تعلمون الكتاب وبسبب كونكم دارسين له ، فإنّ فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير للاعتقاد والعمل فيكتفي بذلك دليلا على خيبة سعي من جهد نفسه وكدّ روحه في جميع العلم ثم لم يجعله ذريعة إلى العمل ، فكان مثله كمثل من غرس شجرة حسناء تونقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها ويجوز أن يكون معناه : تدرسونه على الناس كقوله تعالى : (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ) وفيه أنّ من علم ودرس العلم ولم يعمل ، فليس من الله في شيء وأنّ السبب بينه وبين الله تعالى منقطع حيث لم يثبت النسبة إليه إلا للمتمسكين بطاعته. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح التاء وسكون العين وفتح اللام مخففة ، والباقون بضمّ التاء وفتح العين وكسر اللام مشدّدة.
(وَلا يَأْمُرَكُمْ) قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بنصب الراء عطفا على يقول أي : البشر والباقون برفع الراء على أنه استئناف أي : الله (أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) كما اتخذت الصابئة الملائكة واليهود عزيرا والنصارى عيسى وقوله تعالى : (أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ) إنكار والضمير فيه للبشر أو لله على الوجهين السابقين وقوله تعالى : (بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) دليل على أنّ الخطاب للمسلمين وهم المستأذنون على أن يسجدوا له.
(وَ) اذكر (إِذْ) أي : حين (أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) أي : عهدهم (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ.)
قرأ حمزة والكسائي بكسر اللام من لما فتكون متعلقة بأخذ ، والباقون بالفتح على الابتداء وتوكيد معنى القسم الذي في أخذ الميثاق ، وما موصولة على الوجهين أي : للذي آتيتكموه لتؤمننّ به ، وقرأ نافع : آتيناكم بالنون مفتوحة بعد الياء بعدها ألف ، والباقون بتاء مضمومة (ثُمَّ جاءَكُمْ) تقدّم أنّ حمزة وابن ذكوان يميلان الألف محضة ، والباقون بالفتح (رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) من الكتاب والحكمة وهو محمد صلىاللهعليهوسلم وقوله تعالى : (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) جواب القسم أي : إن أدركتموه وأممهم تبع لهم في ذلك. وقيل : المراد أولاد النبيين على حذف المضاف وهم بنو إسرائيل أو سماهم نبيين تهكما لأنهم كانوا يقولون : نحن أولى بالنبوّة من محمد ؛ لأنا أهل كتاب والنبيون كانوا منا (قالَ) الله تعالى لهم : (أَأَقْرَرْتُمْ) بذلك قرأ قالون وأبو عمرو بتسهيل الهمزة الثانية وألف بينها وبين الهمزة الأولى وابن كثير كذلك إلا أنه لا يدخل ألفا بينهما ، ولورش
__________________
(١) روي الحديث بلفظ : «معاذ الله أن نعبد غير الله ...» أخرجه السيوطي في الدر المنثور ٢ / ٤٦ ، وابن كثير في تفسيره ٢ / ٥٤ ، والطبري في تفسيره ٣ / ٢٣٢.