وجهان : أحدهما كابن كثير والثاني أنه يبدل الثانية حرف مدّ ولهشام في الهمزة التحقيق والتسهيل مع دخول ألف بينهما ، والباقون بتحقيق الهمزتين من غير دخول ألف بينهما (وَأَخَذْتُمْ) أي : قبلتم تقدّم أن ابن كثير وحفصا يظهران الذال المعجمة عند التاء من أخذتم والباقون بالإدغام (عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) أي : عهدي سمي به ؛ لأنه مما يؤصر أي : يشدّ ويعقد ومنه الآصار الذي يعقد به (قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا) على أنفسكم وأتباعكم بذلك (وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) عليكم وعليهم وهو توكيد وتحذير عظيم من الرجوع إذا علموا بشهادة الله وشهادة بعضهم على بعض ، وقيل : الخطاب للملائكة.
(فَمَنْ تَوَلَّى) أي : أعرض (بَعْدَ ذلِكَ) أي : الميثاق والتوكيد بالإقرار والشهادة (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي : المتمرّدون من الكفرة.
روي «أن أهل الكتاب اختصموا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما اختلفوا فيه من دين إبراهيم عليه الصلاة والسّلام وكل واحد من الفريقين ادّعى أنه أولى به فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم» (١) فقالوا : ما نرضى بقضائك ولا نأخذ دينك فنزل. (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ») وهذه الجملة معطوفة على الجملة المتقدّمة وهي (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) والهمزة متوسطة بينهما للإنكار ويجوز أن تعطف على محذوف تقديره أيتولون فغير دين الله يبغون وقدم المفعول الذي هو غير دين الله على فعله ؛ لأنه أهمّ من حيث إن الإنكار الذي معنى الهمزة متوجه إلى المعبود الباطل ، وقرأ أبو عمرو وحفص بالياء على الغيبة ، والباقون بالتاء على الخطاب على تقدير وقل لهم : (وَلَهُ) سبحانه وتعالى : (أَسْلَمَ) أي : خضع وانقاد (مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً) أي : بالنظر في الأدلة واتباع الحجة والإنصاف من نفسه (وَكَرْهاً) بالسيف ومعاينة ما يلجىء إلى الإسلام كنتق الجبل على بني إسرائيل وإدراك الغرق فرعون وقومه والإشراف على الموت لقوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر ، ٨٤] وقال الحسن : أسلم أهل السموات طوعا وأهل الأرض بعضهم طوعا وبعضهم كرها خوفا من السيف والسبي وقيل : هذا يوم الميثاق حين قال : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف ، ١٧٢] فقال بعضهم طوعا وبعضهم كرها قال قتادة : المسلم أسلم طوعا فنفعه ، والكافر كرها في وقت البأس فلم ينفعه قال تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر ، ٨٥] وانتصب طوعا وكرها على الحال بمعنى الطائعين ومكروهين وإليه ترجعون قرأ حفص بالياء على الغيبة ، والباقون بالتاء على الخطاب.
(قُلْ) لهم يا محمد (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) أي : أولاده (وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) بالتصديق والتكذيب أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يخبر عن نفسه وعمن تبعه بالإيمان ، فلذلك وحد الضمير في قل وجمعه في آمنا وعلينا ؛ لأن القرآن كما هو منزل عليه منزل على متابعيه بتوسط تبليغه إليهم أو بأن يتكلم عن نفسه بالجمع على طريقة الملوك إجلالا له.
فإن قيل : لم عدي أنزل في هذه الآية بعلى وفيما تقدّم من مثلها في سورة البقرة بإلى؟ أجيب : بأن الوحي ينزل من فوق وينتهي إلى الرسل فعدي تارة بإلى ؛ لأنه ينتهي إلى الرسل وتارة بعلى ؛ لأنه من فوق وما قيل : من أنه إنما خص ما هنا بعلى وما هناك بإلى ؛ لأن ما هنا خطاب
__________________
(١) تقدم الحديث مع تخريجه قبل قليل.