(إِلى صِراطٍ) أي : طريق (مُسْتَقِيمٍ) أي : واضح.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) أي : واجب تقواه وما يحق منها وهو القيام بالواجب واجتناب المحارم. وقال ابن مسعود : بأن يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى.
وروي مرفوعا لما نزلت هذه الآية «قالت الصحابة رضي الله تعالى عنهم : يا رسول الله من يقوى على هذا؟ فنسخ بقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ.) وقال مقاتل : ليس في آل عمران منسوخ إلا هذه الآية (وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي : موحدون والمعنى : لا تكونن على حال سوى حالة الإسلام إذا أدرككم الموت ، فإنّ النهي عن المقيد بحال أو غيرها قد يتوجه بالذات إلى القيل تارة وإلى المقيد أخرى وإلى المجموع منهما وهو هنا إلى المقيد كما تقول لمن تستعين به على لقاء العدوّ ولا تأتني إلا وأنت على حصان بكسر الحاء فلا تناه عن الإتيان ولكنك تنهاه عن خلاف الحال التي شرطت عليه في وقت الإتيان ، فالنهي هما متوجه إلى القيد وحده ، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ، الآية فلو أنّ قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرّت على أهل الدنيا معيشتهم فكيف بمن هو طعامهم وليس لهم طعام غيره» (١).
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ) أي : بدينه وهو دين الإسلام استعار له الحبل من حيث إنّ التمسك به سبب للنجاة من الردى كما أنّ التمسك بالحبل سبب للسلامة من التردي أو بكتابه وهو القرآن لقوله صلىاللهعليهوسلم : «القرآن حبل الله المتين لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد من قال به صدق ومن عمل به رشد ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم» (٢) وقوله تعالى : (جَمِيعاً) حال أي : مجتمعين عليه (وَلا تَفَرَّقُوا) أي : ولا تتفرقوا بعد الإسلام بوقوع الاختلاف بينكم كأهل الكتاب أو كما كنتم متفرقين في الجاهلية متدابرين يعادي بعضكم بعضا ويحاربه.
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ) أي : إنعامه (عَلَيْكُمْ) التي من جملتها الهداية والتوفيق للإسلام المؤدّي إلى التآلف (إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً) في الجاهلية بينكم الإحن والعداوات والحروب المتواصلة (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) بالإسلام وقذف فيها المحبة (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) متراحمين متناصحين مجتمعين على أمر واحد وهو الأخوّة في الله وقيل : هم الأوس والخزرج كانا أخوين لأب وأم فوقعت بينهما العداوة بسبب قتيل وتطاولت الحروب والعداوة بينهم مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأ الله ذلك بالإسلام وألف بينهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا) أي : طرف (حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ) أي : حفرة ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا كفارا (فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) بالإسلام والضمير للحفرة أو النار أو الشفى وأنثه لتأنيث ما أضيف إليه كقول الشاعر (٣) :
كما شرقت صدر القناة من الدم
(كَذلِكَ) أي : مثل ذلك البيان البليغ (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) أي : دلائله (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)
__________________
(١) أخرجه الترمذي في صفة جهنم حديث ٢٥٨٥ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٣٢٥.
(٢) أخرجه الترمذي في فضائل القرآن حديث ٢٩٠٦ ، والدارمي في فضائل القرآن حديث ٣٣١٥.
(٣) صدره :
وتشرف بالقول الذي قد أذعته
والبيت من الطويل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ١٧٣ ، والأزهية ص ٢٣٨ ، والأشباه والنظائر ٥ / ٢٥٥ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٠٦ ، والدرر ٥ / ١٩ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٤ ، والكتاب ١ / ٥٢.