إرادة أن تزدادوا هدى.
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ) أي : طائفة (يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فمن للتبعيض ؛ لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات ولأنه لا يصلح له إلا من علم المعروف والمنكر وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشره ، فإنّ الجاهل ربما نهى عن معروف وأمر بمنكر وقد يغلظ في موضع اللين ويلين في موضع الغلظة وعلى هذا فالمخاطب به الكل على الأصح ويسقط بفعل البعض الحرج عن الباقين وهكذا كل ما هو فرض كفاية ، فإن تركوه أصلا أثموا جميعا وقيل : من زائدة وقيل : للتبيين بمعنى وكونوا أمة تأمرون بالمعروف كقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَأُولئِكَ) أي : الداعون الآمرون الناهون (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي : الفائزون بكمال الفلاح.
روى الإمام أحمد وغيره «أنه صلىاللهعليهوسلم سئل وهو على المنبر : من خير الناس؟ قال : «آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله وأوصلهم للرحم» (١).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه وخليفة رسوله وخليفة كتابه» (٢).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (٣).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم» (٤).
وروي أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال : أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة ، ١٠٥] وإني سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إنّ الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعذابه» (٥).
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذي في أسفلها يمرّ بالماء على الذي في أعلاها فتأذوا به فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا : ما لك فقال : تأذيتم بي ولا بد لي من الماء ، فإن أخذوا على يديه أنجوه وأنجوا أنفسهم ، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم» (٦) وعن حذيفة : يأتي على الناس زمان يكون فيهم جيفة الحمار أحب إليهم من مؤمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر. وعن سفيان الثوري : إذا كان الرجل محببا في جيرانه محمودا عند إخوانه
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٦ / ٤٣٢ ، والقرطبي في تفسيره ٤ / ٤٧.
(٢) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ٥٥٦٤.
(٣) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٤٩ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١١٤٠ ، والنسائي في الإيمان حديث ٥٠٠٨ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٢٧٥.
(٤) أخرجه الترمذي في الفتن حديث ٢١٦٩.
(٥) أخرجه أبو داود في الملاحم حديث ٤٣٣٨ ، والترمذي في الفتن حديث ٢١٦٨ ، وابن ماجه في الفتن حديث ٤٠٠٥.
(٦) أخرجه البخاري في الشهادات حديث ٢٦٨٦ ، والترمذي في الفتن حديث ٢١٧٣.