قلوبهم من حيث إن نظر العامة إلى الأسباب أكثر (الْعَزِيزِ) الذي لا يغالب (الْحَكِيمِ) الذي ينصر ويخذل من يشاء بوسط وبغير وسط على مقتضى الحكمة والمصلحة.
وقوله تعالى : (لِيَقْطَعَ) متعلق بنصركم أي : ليهلك (طَرَفاً) أي : طائفة (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والأسر وهو ما كان يوم بدر من قتل سبعين وأسر سبعين من رؤساء قريش وصناديدهم (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) أي : لم ينالوا ما راموه وأو للتنويع لا للترديد.
ونزل لما كسرت رباعيته صلىاللهعليهوسلم وشج وجهه يوم أحد وقال : «كيف يفلح قوم شجوا رأس نبيهم وكسروا رباعيته وهو يدعوهم» (١).
(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) بل الأمر كله لله فاصبر إنما أنت عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهدتهم ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد : «اللهمّ العن الحارث بن هشام اللهمّ العن صفوان بن أمية» (٢) فنزلت هذه الآية ، وقال قوم : نزلت في أهل بئر معونة وهم سبعون رجلا من القرّاء بعثهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد ليعلموا الناس القرآن والعلم أميرهم المنذر بن عمرو فقتلهم عامر بن الطفيل فوجد عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجدا شديدا وقنت شهرا في الصلوات كلها يدعو على جماعة من تلك القبائل باللعن والسنين وقوله تعالى : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) عطف على قوله أو يكبتهم وليس لك من الأمر شيء اعتراض ، والمعنى أن الله تعالى مالك أمرهم ، فإمّا أن يهلكهم أو يكبتهم أو يتوب عليهم إن أسلموا أو يعذبهم إن أصروا (فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ) بالكفر ، وقيل : إنّ أو يتوب عليهم بمعنى إلى أن يتوب عليهم.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ملكا وخلقا فله الأمر كله والمقصود من هذا تأكيد ما ذكره أوّلا من قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) والمعنى : إنما يكون ذلك لمن له الملك وليس هو لأحد إلا لله تعالى.
فإن قيل : ظاهر ما ذكر يدل على أنّ ذلك ورد للمنع من أمر كان صلىاللهعليهوسلم يريد أن يفعله وذلك الفعل إن كان بأمر الله تعالى فكيف يمنعه منه وإن كان بغير أمره فكيف يصح مع قوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) [النجم ، ٣] أجيب : بأنّ ذلك كان من باب ترك الأفضل والأولى فلا جرم أرشده الله تعالى إلى اختيار الأولى نظيره قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) [النحل ، ١٢٧] فكأنه تعالى قال أوّلا : إن كان ولا بدّ أن تعاقب ذلك الظالم فاكتف بالمثل ، ثم قال ثانيا وإن تركته كان ذلك أولى. ثم أمره أمرا جازما بتركه فقال : واصبر وما صبرك إلا بالله (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) مغفرته (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) تعذيبه. ولما كان له فعل ذلك إلا أن جانب المغفرة والرحمة غالب لا على سبيل الوجوب بل على سبيل التفضل والإحسان قال : (وَاللهُ غَفُورٌ) لأوليائه (رَحِيمٌ) بعباده فلا تبادر بالدعاء عليهم.
ولما شرح سبحانه وتعالى عظيم نعمه على المؤمنين فيما يتعلق بإرشادهم إلى الأصلح في أمر الدين والجهاد أتبع ذلك بما يدخل في الأمر والنهي والترغيب والتحذير فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
__________________
(١) أخرجه مسلم في الجهاد حديث ١٧٩١ ، والترمذي في التفسير حديث ٣٠٠٢.
(٢) أخرجه الترمذي في التفسير حديث ٣٠٠٤.