فقال : قولوا الله مولانا ولا مولى لكم» (١). وفي حديث ابن عباس : قال أبو سفيان : يوم بيوم وإنّ الأيام دول والحرب سجال ، فقال عمر رضي الله تعالى عنه : لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار (٢) وإنما كانت الدولة يوم أحد للكفار على المسلمين لمخالفتهم لأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) أي : أخلصوا إيمانهم من غيرهم.
فإن قيل : ظاهر هذه الآية أنّ الله تعالى إنما فعل تلك المداولة ليكتسب هذا العلم وذلك في حقه تعالى محال ونظير هذا الإشكال قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) [آل عمران ، ١٤٢] وقوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) [العنكبوت : ٣] وقوله : (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا) [الكهف ، ١٢] وقوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ) [محمد ، ٣١] وقوله : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) [البقرة ، ١٤٣] وقوله : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك ، ٢] فظاهر هذه الآيات يدل على أنه تعالى إنما صار عالما بحدوث هذه الأشياء عند حدوثها ، وأجاب المتكلمون عنها بأن الدلائل العقلية دلت على أنه تعالى يعلم الحوادث قبل وقوعها ، فثبت أن التغير في العلم محال إلا أن إطلاق لفظ العلم على المعلوم والقدرة على المقدرة مجاز مشهور يقال : هذا علم فلان والمراد معلومه ، وهذه قدرة فلان والمراد مقدوره ، فكل آية يشعر ظاهرها بتجدّد العلم فالمراد تجدّد المعلوم وإذا عرف هذا فهذه الآية محتملة لوجوه أحدها : ليظهر المخلص من المنافق والمؤمن من الكافر وثانيها : ليعلم أولياء الله وأضاف إلى نفسه تفخيما وثالثها : ليحكم بالامتياز فأوقع العلم مكان الحكم بالامتياز ؛ لأنّ الحكم لا يحصل إلا بعد العلم ورابعها : ليعلم ذلك واقعا كما كان يعلم أنه سيقع ؛ لأن المجازاة تقع على الواقع دون المعلوم الذي لا يوجد (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) ويكرم ناسا منكم بالشهادة وهم المستشهدون يوم أحد أو وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما وجد منهم من الثبات والصبر على الشدائد كما قال تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة : ١٤٣] وقوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) قال ابن عباس أي المشركين كقوله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] وهو اعتراض بين بعض التعاليل وبعض وفيه تنبيه على أنه تعالى لا ينصر الكافرين على الحقيقة وإنما يظفرهم أحيانا استدراجا لهم وابتلاء للمؤمنين.
(وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (١٤٢) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨) يا أَيُّهَا
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجهاد باب ١٦٤ ، والمغازي باب ١٧ ، وأحمد في المسند ٤ / ٢٩٣.
(٢) أخرجه البخاري في الجهاد ، تعليقا ، باب الجنة تحت بارقة السيوف.