تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) متعلق بالنهي بمعنى لا تهنوا إن صح إيمانكم على أنّ صحة الإيمان توجب قوّة القلب والثقة بالله تعالى وقلة المبالاة بأعدائه أو متعلق بالأعلون أي : إن كنتم مصدّقين بما يعدكم الله ويبشركم به من الغلبة.
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) جهد من جرح ونحوه يوم أحد (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ) الكفار (قَرْحٌ مِثْلُهُ) يوم بدر ثم إنهم لم يضعفوا ولم يجبنوا فأنتم أولى أن لا تضعفوا فإنكم ترجون من الله ما لا يرجون ، وقيل : كلا المسين كان يوم أحد ، فإن المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ أبو بكر وشعبة وحمزة والكسائي بضم قاف قرح في الموضعين ، والباقون بالفتح وهما لغتان بمعنى ، وقال الفرّاء : القرح بالفتح الجرح وبالضم آلمه (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ) تلك مبتدأ أو الأيام صفته وقوله تعالى : (نُداوِلُها) خبره ويصح أنّ تلك الأيام مبتدأ وخبر كما تقول هي الأيام تبلي كل جديد والمراد بالأيام أوقات الظفر والغلبة أي : نصرّفها (بَيْنَ النَّاسِ) قال البغوي : فيوما عليهم ويوما لهم. قال في «الكشاف» كقوله وهو من أبيات الكتاب (١) :
فيوم علينا ويوما لنا |
|
ويوم نساء ويوما نسر |
تقديره فيوما يكون الأمر علينا أي : بالإضرار ويوما لنا أي : بالنفع فيكون يوما ظرفا ملائما لقوله : ويوما نساء ويوما نسر قاله الشيخ سعد الدين. أي : أديل تارة للمسلمين على المشركين وهو يوم بدر حتى قتلوا منهم سبعين ، وأسروا سبعين وأديل تارة للكافرين على المسلمين وهو يوم أحد حتى جرحوا منهم سبعين وقتلوا خمسا وسبعين.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم جعل عبد الله بن جبير على الرجالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا ، فقال : «إن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم فهزموهم قال : فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهنّ وسوقهنّ رافعات ثيابهنّ» فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة الغنيمة فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قالوا : والله لنأتين الناس فلنصيبنّ من الغنيمة ، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين فذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يثبت مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلا اثنا عشر رجلا فأصابوا منا سبعين وكان النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة وسبعين أسيرا وسبعين قتيلا ، فقال أبو سفيان : أفي القوم محمد ثلاث مرّات فنهاهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يجيبوه ، ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرّات ، ثم قال : أفي القوم ابن الخطاب ثلاث مرّات ، ثم رجع إلى أصحابه وهو يقول : أما هؤلاء فقد قتلوا فما ملك عمر نفسه فقال : كذبت والله يا عدوّ الله إنّ الذين عددت لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوءك قال : يوم بيوم بدر والحرب سجال إنكم ستجدون في القوم مثلة ثم أخذ يرتجز :
اعل هبل اعل هبل
فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ألا تجيبوه؟» فقالوا : يا رسول الله ما نقول قال : قولوا الله أعلى وأجل قال : إنّ لنا العزى ولا عزى لكم. فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ألا تجيبوه» فقالوا : يا رسول الله ما نقول؟
__________________
(١) البيت من المتقارب ، وهو للنمر بن تولب في ديوانه ص ٣٤٧ ، وتخليص الشواهد ص ١٩٣ ، وحماسة البحتري ص ١٢٣ ، والدرر ٢ / ٢٢ ، ٤ / ٥٣١ ، والكتاب ١ / ٨٦ ، والمقاصد النحوية ١ / ٥٦٥ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ٢ / ٧٤٩ ، وهمع الهوامع ١ / ١٠١ ، ٢ / ٢٨.