إلا غفر الله له» (١).
وروي : «أيّ عبد أذنب ذنبا فقال : يا رب أذنبت ذنبا فاغفر لي فقال ربه : علم عبدي أنّ له ربا يغفر الذنوب ويؤاخذ بها فغفر له فمكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا آخر فقال : يا رب أذنبت ذنبا آخر فاغفر لي قال ربه : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويؤاخذ به قد غفرت له فليعمل ما شاء ـ أي :
ويستغفر ـ فأغفر له» (٢).
وروي أنه تبارك وتعالى قال : «يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ، ابن آدم إنك إن تلقني بقراب الأرض خطايا لقيتك بقرابها مغفرة بعد أن لا تشرك بي شيئا ، ابن آدم إنك إن تذنب ذنبا حتى يبلغ ذنبك عنان السماء ثم تستغفرني أغفر لك» (٣).
وروي أنّ الله تبارك وتعالى قال : «من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئا» (٤) قال ثابت البناني : بلغني أنّ إبليس بكى حين نزلت هذه (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) إلى آخرها.
وروي أنّ الله تعالى أوحى إلى موسى عليه الصلاة والسّلام : «ما أقل حياء من يطمع في جنتي بغير عمل كيف أجود برحمتي على من يبخل بطاعتي». وعن شهر بن حوشب : طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء الرحمة ممن لا يطاع حمق وجهالة ، وعن الحسن يقول الله تعالى يوم القيامة : «جوزوا الصراط بعفوي وادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم» ، وعن رابعة البصرية أنها كانت تنشد (٥) :
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها |
|
إنّ السفينة لا تجري على اليبس |
ونزل في هزيمة أحد : (قَدْ خَلَتْ) أي : مضت (مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) جمع سنة وهي الطريقة التي يكون عليها الإنسان ويلازمها ومنه سنة الأنبياء عليه الصلاة والسّلام أي : قد مضت من قبلكم طرائق في الكفار بإمهالهم ثم أخذهم (فَسِيرُوا) أيها المؤمنون (فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ) أي : آخر أمر (الْمُكَذِّبِينَ) الرسل من الهلاك فلا تحزنوا لغلبتهم فأنا أمهلهم لوقتهم.
(هذا) أي : القرآن (بَيانٌ لِلنَّاسِ) عامّة (وَهُدىً) من الضلالة (وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) خاصة (وَلا تَهِنُوا) أي : تضعفوا عن قتال الكفار بما نالكم من القتل والجراح يوم أحد.
(وَلا تَحْزَنُوا) على ما أصابكم وكان قد قتل يومئذ من المهاجرين خمسة : منهم حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وقتل من الأنصار سبعون رجلا (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) أي : وحالكم أنكم أعلى شأنا منهم فإنكم على الحق وقتالكم لله وقتلاكم في الجنة ، وإنهم على الباطل وقتالهم للشيطان وقتلاهم في النار أو لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم اليوم أو هي بشارة لهم بالعلو والغلبة أي : وأنتم الأعلون في العاقبة (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات ، ١٧٣] وقوله
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الصلاة حديث ١٥٢١ ، والترمذي في التفسير حديث ٣٠٠٦ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٣٩٥.
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد حديث ٧٥٠٧ ، ومسلم في التوبة حديث ٢٧٥٨.
(٣) أخرجه الترمذي في الدعوات حديث ٣٥٤٠.
(٤) أخرجه الترمذي في القيامة حديث ٢٤٩٥ ، وابن ماجه في التوبة حديث ٤٢٥٧.
(٥) البيت من البسيط ، وهو لأبي العتاهية في ديوانه ص ١٩٤.