حكمه أو حقه العظيم (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) بالندم والتوبة عطف على المتقين أو على الذين ينفقون. واختلف في سبب نزول هذه الآية فقال عطاء : نزلت في أبي سعيد التمار أتته امرأة حسنة تبتاع منه تمرا فقال لها : إنّ هذا التمر ليس بجيد وفي البيت أجود منه فذهب بها إلى بيته وضمها إلى نفسه وقبلها فقالت له : اتق الله فتركها وندم على ذلك ثم أتى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وذكر ذلك له فنزلت هذه الآية.
وقال مقاتل والكلبي : آخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين رجلين أحدهما من الأنصار والآخر من ثقيف ، فخرج الثقفي في غزاة واستخلف الأنصاري على أهله فاشترى لهم اللحم ذات يوم ، فلما أرادت المرأة أن تأخذ منه دخل على أثرها وقبل يدها ثم ندم وانصرف ووضع التراب على رأسه وهام على وجهه ، فلما رجع الثقفيّ لم يستقبله الأنصاري ، فسأل امرأته عن حاله فقالت : لا أكثر الله في الإخوان مثله ووصفت له الحال والأنصاري يسيح في الجبال تائبا مستغفرا ، فطلبه الثقفي حتى وجده فأتى به أبا بكر رجاء أن يجد عنده راحة وفرجا ، وقال الأنصاري : هلكت وذكر القصة ، فقال أبو بكر : ويحك أما علمت أنّ الله تعالى يغار للغازي ما لا يغار للمقيم ثم أتيا عمر ، فقال عمر : مثل ذلك ثم أتيا النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : مثل مقالهما فنزلت هذه الآية وقوله تعالى : (وَمَنْ) أي : أحد (يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) استفهام بمعنى النفي معترض بين المعطوفين والمراد به وصفه سبحانه وتعالى بسعة الرحمة وعموم المغفرة والحث على الاستغفار والوعد بقبول التوبة (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) أي : ولم يقيموا على قبيح فعلهم بل أقلعوا عنه مستغفرين.
روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم سبعين مرة» (١).
وروي : «لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار» (٢) وقوله تعالى : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) حال من يصروا أي : ولم يصروا على قبيح فعلهم عالمين به وقوله تعالى :
(أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) إشارة إلى الفريقين ويجوز أن يكون والذين مبتدأ وأولئك خبره وقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) حال مقدّرة أي : مقدّرين الخلود فيها إذا دخلوها.
تنبيه : لا يلزم من إعداد الجنة للمتقين والتائبين جزاء لهم أن لا يدخلها المصرون كما لا يلزم من إعداد النار للكافرين جزاء لهم أن لا يدخلها غيرهم ، فقول الزمخشري في «الكشاف» وفي هذه الآيات بيان قاطع على أنّ الذين آمنوا على ثلاث طبقات : متقون وتائبون ومصرون وأنّ الجنة للمتقين والتائبين منهم دون المصرين ومن خلف في ذلك فقد كابر عقله وعاند ربه جار على طريق الاعتزال من أن مرتكب الكبيرة إذا مات مصرّا لا يدخل الجنة ونعوذ بالله من ذلك بل كل من مات على الإسلام يدخل الجنة وهو تحت المشيئة إن شاء الله عذبه ، وإن شاء عفا عنه وقوله تعالى : (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) المخصوص فيه بالمدح محذوف تقديره ونعم أجر العاملين ذلك أي : المغفرة والجنات.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من عبد مؤمن أذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ثم يستغفر الله
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الصلاة حديث ١٥١٤ ، والترمذي في الدعوات حديث ٣٥٥٩.
(٢) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ١٠٢٣٨ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٥١٢ ، والسيوطي في الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ١٨٠.