الستر ومنه قيل : للزراع والليل كافر ولكمام الثمر كافور ، وفي الشرع : إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول به ، وينقسم إلى أربعة أقسام : كفر إنكار ، وكفر جحود ، وكفر عناد ، وكفر نفاق ، فكفر الإنكار هو أن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به ، وكفر الجحود هو أن يعرف الله بقلبه ولا يقرّ بلسانه ككفر إبليس واليهود قال الله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة ، ٨٩] وكفر العناد هو أن يعرف الله بقلبه ويعترف بلسانه ولا يدين به ككفر أبي طالب حيث يقول (١) :
ولقد علمت بأن دين محمد |
|
من خير أديان البرية دينا |
لو لا الملامة أو حذار مسبة |
|
لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
وأمّا كفر النفاق فهو أن يقرّ باللسان ولا يعتقد بالقلب وجميع هذه الأقسام من لقي الله تعالى بواحد منها لا يغفر له قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء ، ٤٨ ـ ١١٦].
تنبيه : احتجت المعتزلة بما جاء في القرآن بلفظ الماضي نحو : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [البقرة ، ٦] (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) [الحجر ، ٩] (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) [نوح ، ١] على حدوث القرآن لاستدعاء ما جاء فيه بلفظ الماضي سابقية المخبر عنه والقديم يستحيل أن يكون مسبوقا بغيره فأجاب أهل السنة : بأن ما جاء فيه بلفظ الماضي مقتضى تعلق الحكم بالخبر عنه وحدوث مقتضى التعلق لا يستلزم حدوث المخبر عنه فلا يستلزم حدوث كلام الله كما في عمله تعالى فإنه قديم ومقتضى تعلقه بغيره حادث والحاصل أنه لا يلزم من حدوث مقتضى التعلق وهو الكلام اللفظيّ حدوث الكلام النفسيّ. (سَواءٌ عَلَيْهِمْ) أي : متساو لديهم (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) أي : خوّفتهم وحذرتهم أم لا والإنذار إعلام مع تخويف وتحذير فكل منذر معلم وليس كل معلم منذرا وإنما اقتصر عليه دون البشارة لأنه أوقع في القلب وأشدّ تأثيرا في النفس من حيث إن دفع الضرر أهمّ من جلب النفع فإذا لم ينفع فيهم الإنذار كانت البشارة بعدم النفع أولى (لا يُؤْمِنُونَ) بما جئت به وهذه الآية في أقوام حقت عليهم كلمة الشقاوة في سابق علم الله تعالى كأبي جهل وأبي لهب وغيرهما فلا تطمع في إيمانهم ، واحتجّ بهذه الآية من جوّز تكليف ما لا يطاق فإنه سبحانه وتعالى أخبر عنهم بأنهم لا يؤمنون وأمرهم بالإيمان فلو آمنوا وقع الخلف في كلامه تعالى وهو محال والحق أن التكليف بالممتنع لذاته جائز عقلا غير واقع بخلاف التكليف بالممتنع لغيره كالذي تعلق علم الله تعالى بعدم وقوعه فإنه جائز وواقع اتفاقا.
تنبيه : هاهنا همزتان مفتوحتان من كلمة فقالون وأبو عمرو يسهلان الثانية ويدخلان بينهما ألفا وكذا ورش وابن كثير إلا أنهما لم يدخلا ألفا بينهما ولورش وجه آخر وهو أن يبدل الثانية حرف مدّ ، وهشام له وجهان : تسهيل الهمزة الثانية وتحقيقها مع إدخال ألف بينهما والباقون بالتحقيق والقصر وجميع القرّاء يحققون الأولى.
(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ
__________________
(١) البيتان من الكامل ، وهما في ديوان أبي طالب ص ٦٨ ، ولسان العرب (كفر) ، وتاج العروس (كفر).