سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا |
|
محياك أخفى ضوؤه كل شارق |
وإمّا لأنّ الموضع موضع تفصيل ، فإنّ المعنى يغشى طائفة وطائفة لم يغشاهم فهو كقوله (١) :
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له |
|
بشق وشق عندنا لم يحوّل |
وقوله تعالى : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِ) أي : أن لا ينصر الله محمدا صفة أخرى لطائفة وغير الحق نصب على المصدر أي : يظنون بالله غير الظنّ الحق الذي يحق أن يظنّ به (ظَنَ) أي : كظنّ (الْجاهِلِيَّةِ) حيث اعتقدوا أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قتل أو لا ينصر وقوله تعالى : (يَقُولُونَ) أي : لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بدل من يظنون (هَلْ لَنا) أي : ما لنا لفظه استفهام ومعناه جحد (مِنَ الْأَمْرِ) أي : النصر الذي وعدناه (مِنْ شَيْءٍ) أي : شيء ومن صلة زيدت للتأكيد وهو إمّا مبتدأ خبره لنا وإمّا فاعل للنا لاعتماده على الاستفهام ومن الأمر حال من المبتدأ أو الفاعل وهو شيء لكونه مرفوعا حقيقة لا مجرورا ، وقيل : إنّ عبد الله بن أبي ابن سلول لما شاوره النبيّ صلىاللهعليهوسلم في هذه الوقعة أشار إليه بأن لا يخرج من المدينة ثم إنّ بعض الصحابة ألحوا على النبيّ صلىاللهعليهوسلم في أن يخرج إليهم فغضب ابن أبيّ من ذلك ، فقال : عصاني وأطاع الولدان ثم لما كثر القتل في بني الخزرج ورجع ابن أبي فقيل له : قتل بنو الخزرج فقال : هل لنا من الأمر من شيء يعني أنّ محمدا لم يقبل قولي حين أمرته بأن لا يخرج من المدينة والمعنى : هل لنا أمر يطاع فهو استفهام على سبيل الإنكار (قُلْ) لهم يا محمد (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) أي : الغلبة الحقيقية لله ولأوليائه ، فإنّ حزب الله هم الغالبون أو القضاء له يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وقرأ أبو عمرو برفع اللام بعد الكاف على أنه مبتدأ والخبر لله والباقون بالنصب على أنه توكيد.
تنبيه : هذه الآية تدل على أنّ جميع المحدثات خلق الله تعالى بقضائه وقدره ؛ لأنّ المنافقين قالوا : لو أنّ محمدا قبل منا رأينا ونصحنا لما وقع في هذه المحنة ، فأجابهم الله تعالى بأنّ الأمر كله لله. وهذا إنما ينتظم إذا كانت أفعال العباد بقضائه وقدره ، إذ لو كانت خارجة عن مشيئته لم يكن هذا الجواب رافعا لشبهة المنافقين وقوله تعالى : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ) أي : يظهرون (لَكَ) حال من ضمير يقولون ، وقل إنّ الأمر كله لله اعتراض بين الحال وذي الحال أي : يقولون مظهرين أنهم مسترشدون طالبون للنصر مبطنين الإنكار والتكذيب وقوله تعالى : (يَقُولُونَ) بيان لما قبله (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) أي : كما وعد محمد وزعم أنّ الأمر كله لله ولأوليائه أو لو كان الاختيار إلينا لم نخرج كما كان رأي ابن أبيّ وغيره (ما قُتِلْنا هاهُنا) أي : لما غلبنا ولما قتل من قتل منا في هذه المعركة.
(قُلْ) لهم (لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) وفيكم من كتب الله تعالى عليه القتل (لَبَرَزَ) أي : خرج (الَّذِينَ كُتِبَ) أي : قضى (عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ) منكم (إِلى مَضاجِعِهِمْ) أي : مصارعهم فيقتلوا ولم ينجهم قعودهم ؛ لأنّ قضاء الله تعالى كائن لا محالة فإنه قدر الأمور ودبرها في سابق قضائه لا معقب لحكمه وقرأ أبو عمرو وحفص وورش بضم الباء في بيوتكم والباقون بالكسر قوله تعالى : (وَلِيَبْتَلِيَ) أي : ليختبر (اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) أي : قلوبكم من الإخلاص والنفاق علة فعل محذوف تقديره فرض الله عليكم القتال ولم ينصركم يوم أحد ليبتلي وقيل : معطوف على علة
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس في ديوانه ص ١٢ ، وبلا نسبة في رصف المباني ص ٣١٦.