محذوفة تقديره ليقضي الله أمره وليبتلي وقوله تعالى : (وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) فيه وجهان : أحدهما : إنّ هذه الواقعة تخرج ما في قلوبكم من الوساوس والشبهات وتظهرها والثاني : إنها تصير كفارة لذنوبكم فيمحصكم من تبعات المعاصي والسيئات.
فإن قيل : قد سبق ذكر الابتلاء في قوله تعالى : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) فلم أعاده؟ أجيب : بأنه أعيد إما لطول الكلام بينهما وإما لأنّ الابتلاء الأوّل هزيمة للمؤمنين والابتلاء الثاني بسائر الأحوال (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : بما في القلوب قبل إظهارها وفيه وعد ووعيد وتنبيه على أنه تعالى : غني عن الابتلاء وإنما يبتلي ليظهر للناس حال المؤمنين من حال المنافقين.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) عن القتال (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) أي : جمع المسلمين وجمع المشركين يوم أحد وكان قد انهزم أكثر المسلمين ولم يبق مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلا ثلاثة عشر رجلا : ستة من المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ) أي : طلب منهم الزلل بوسوسته (بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) من الذنوب بترك المركز والحرص على الغنيمة ومخالفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأطاعوه فمنعوا التأييد وقوّة القلب حتى تولوا (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) لتوبتهم واعتذارهم (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للذنوب (حَلِيمٌ) لا يعاجل بعقوبته المذنب كي يتوب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي : المنافقين وهم ابن أبي وأصحابه (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) أي : في شأنهم ومعنى إخوانهم اتفاقهم في النفاق والكفر وقيل : في النسب (إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) أي : سافروا فيها لتجارة أو غيرها فماتوا (أَوْ كانُوا غُزًّى) أي : غزاة جمع غاز فقتلوا (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) أي : لا تقولوا كقولهم (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ) القول في عاقبة أمرهم (حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) أي : لأنهم إذا ألقوا تلك الشبهة على المؤمنين لم يلتفتوا إليهم فيضيع سعيهم ويبطل كيدهم فتحصل الحسرة في قلوبهم. وقيل : إنّ اجتهادهم في تكثير الشبهات وإلقاء الضلالات يعمي قلوبهم فيقعون عند ذلك في الحسرة والخيبة وضيق الصدر وهو المراد بقوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) [الأنعام ، ١٢٥].
فإن قيل : كيف قيل إذا ضربوا مع قالوا؟ أجيب : بأنّ ذلك هي حكاية الحال الماضية قال التفتازاني معناه : إنك تقدّر نفسك كأنك موجود في ذلك الزمان الماضي ، أو تقدر ذلك الزمان كأنه موجود الآن وهذا كقولك : قالوا ذلك حين يضربون والمعنى : حين ضربوا إلا أنك جئت بلفظ المضارع استحضارا لصورة ضربهم في الأرض وقوله تعالى : (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) ردّ لقولهم. أي : هو المؤثر في الحياة والممات لا الإقامة والسفر ، فإنه تعالى قد يحيي المسافر والمغازي ويميت المقيم والقاعد (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة ردّا على الذين كفروا ، والباقون بتاء الخطاب ردّا على قوله : ولا تكونوا وهو خطاب للمؤمنين وفيه تهديد لهم على أن يماثلوهم.
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ) اللام هي الموطئة لقسم محذوف (فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : الجهاد (أَوْ مُتُّمْ) أي : أتاكم الموت في سبيل الله وجواب القسم قوله تعالى : (لَمَغْفِرَةٌ) كائنة (مِنَ اللهِ) وحذف جواب الشرط لسد جواب القسم مسدّه لكونه دالا عليه (وَرَحْمَةٌ) أي : من الله فحذف صفتها لدلالة الأولى عليها ولا بد من حذف آخر مصحح للمعنى تقديره لمغفرة من الله لكم ورحمة منه لكم.