من جنس المنافقين المقتولين يوم أحد أو إخوانهم في النسب أو في سكنى الدار أو في عداوة النبيّ صلىاللهعليهوسلم وقوله تعالى : (وَقَعَدُوا) حال مقدّرة بقد أي : قالوا : قاعدين عن القتال (لَوْ أَطاعُونا) في القعود (ما قُتِلُوا) كما لم نقتل. واختلف في قائل ذلك ، فقال أكثر المفسرين : هو ابن أبي وأصحابه ، وقول الأصم هذا لا يجوز ؛ لأنّ ابن أبي خرج مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم في الجهاد يوم أحد وهذا القول واقع ممن تخلف فيه نظر لاحتمال أنّ المراد بالقعود القعود عن القتال لا عن الخروج إلى القتال (قُلْ :) لهم (فَادْرَؤُا) أي : ادفعوا (عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن القعود ينجي منه لأنكم إن دفعتم القتل الذي هو أحد أسباب الموت لم تقدروا على دفع سائر أسبابه المبثوثة ولا بد لكم أن يتعلق بكم بعضها.
وروي أنه مات يوم قالوا هذه المقالة : سبعون منافقا.
فإن قيل : ما وجه هذا الاستدلال فإن التحرز عن القتل ممكن وأمّا التحرز عن الموت فغير ممكن؟ أجيب : بأن الكل بقضاء الله وقدره فلا فرق بين الموت والقتل وفي قوله تعالى : (فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ) استهزاء بهم أي : إن كنتم رجالا دفاعين لأسباب الموت فادرؤا جميع أسبابه حتى لا تموتوا ، ونزل في شهداء أحد كما رواه الحاكم : وكانوا سبعين رجلا : أربعة من المهاجرين حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير وعثمان بن شاس وعبد الله بن جحش وسائرهم من الأنصار.
(وَلا تَحْسَبَنَ) أي : ولا تظنن (الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : لأجل دينه والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم أو لكل أحد (أَمْواتاً بَلْ) هم (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي : ذوو زلفى منه فليس المراد القرب المكاني لاستحالته ولا بمعنى في علمه وحكمه لعدم مناسبة المقام له بل بمعنى القرب شرفا ورتبة.
قال البيضاوي وقيل : نزلت في شهداء بدر أي : وكانوا أربعة عشر رجلا ثمانية من الأنصار وستة من المهاجرين ، قال شيخنا القاضي زكريا : وهو غلط إنما نزل فيهم آية البقرة (يُرْزَقُونَ) من ثمار الجنة.
روى ابن عباس أنه عليه الصلاة والسّلام قال : «أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل معلقة في ظل العرش» (١).
وروي أنّ الله تعالى يطلع عليهم ويقول : سلوني ما شئتم فيقولون : يا رب كيف نسألك ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا؟ فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا شيئا قالوا : نسألك أن تردّ أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا نقتل في سبيلك لما رأوا من النعيم ، كما قال تعالى :
(فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) وهو شرف الشهادة والفوز بالحياة الأبدية والقرب من الله والتمتع بنعيم الجنة (وَيَسْتَبْشِرُونَ) أي : ويفرحون (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ) من إخوانهم الذين تركوهم أحياء في الدنيا على مناهج الإيمان والجهاد لعلمهم أنهم إذا استشهدوا لحقوا بهم ونالوا من الكرامة ما نالوا فلذلك يستبشرون (مِنْ خَلْفِهِمْ) أي : الذين من خلفهم زمانا أو رتبة وأبدل من الذين (إِنَّ) أي : بأن (لا خوف عليهم) أي : الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) في الآخرة والمعنى : إنهم يستبشرون بما تبين لهم من أمر الآخرة وحال من تركوا خلفهم
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الجهاد حديث ٢٥٢٠ ، وابن ماجه حديث ٢٨٠١.