الإيمان والإيقان بتناصر الحجج ، ولأن خروجهم على أثر التثبيط إلى وجه العدو طاعة عظيمة والطاعات تزيد الإيمان فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قلنا : يا رسول الله إنّ الإيمان يزيد وينقص قال : «نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة وينقص حتى يدخل صاحبه النار» (١). وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كان يأخذ بيد الرجل فيقول : قم بنا نزدد إيمانا ، وعنه رضي الله تعالى عنه : «لو وزن إيمان أبي بكر رضي الله تعالى عنه بإيمان هذه الأمّة لرجح به» (٢)(وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ) الذي هو مناط الفوز بخير الدارين بجراءتهم وخروجهم (وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) قد تفضل عليهم بالتثبيت وزيادة الإيمان والتوفيق للمبادرة إلى الجهاد والتصلب في الدين وإظهار الجراءة على العدوّ بالحفظ على كل من يسوءهم وإصابة النفع من ضمان الأجر حتى انقلبوا بنعمة من الله وفضل وفيه تحسر المتخلف وتخطئة رأيه حيث حرم نفسه ما فازوا به.
(إِنَّما ذلِكُمُ) أي : المثبط أو أبو سفيان (الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ) أي : القاعدين عن الخروج مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم أو يخوّفكم أولياءه وهم أبو سفيان وأصحابه ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ) في مخالفة أمري فجاهدوا مع رسولي (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) حقا فإن الإيمان يقتضي إيثار خوف الله على خوف الناس ، وقرأ أبو عمرو بإثبات الياء وصلا وحذفها وقفا ، والباقون بالحذف وقفا ووصلا.
(وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) أي : يقعون فيه وقوعا سريعا حرصا عليه ، وهم المنافقون من المتخلفين أو قوم ارتدوا عن الإسلام أي : لا تهتم لكفرهم (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) بفعلهم وإنما يضرّون به أنفسهم ، وقرأ نافع يحزنك بضمّ الياء وكسر الزاي حيث وقع ما خلا قوله تعالى في الأنبياء (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء ، ١٠٣] فإنه على فتح الياء وضمّ الزاي فيه والباقون كذلك في الكل من حزنه لغة في أحزنه (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا) أي : نصيبا (فِي الْآخِرَةِ) أي : الجنة فلذلك خذلهم وهو يدل على تمادي طغيانهم وموتهم على الكفر (وَلَهُمْ) مع حرمان الثواب (عَذابٌ عَظِيمٌ) في النار.
(إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ) أي : أخذوه بدله (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ) بكفرهم (شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم وكرّر ذلك للتأكيد أو هو تعميم للكفرة بعد تخصيص من نافق من المتخلفين أو ارتدوا من الأحزاب.
ونزل في مشركي مكة كما قاله مقاتل أو في قريظة أو النضير كما قاله عطاء : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي) أي : نمهل (لَهُمْ) بتطويل الأعمار (خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) بكثرة المعاصي (وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أي : ذو إهانة.
روي أنه صلىاللهعليهوسلم سئل : أيّ الناس خير؟ قال : «من طال عمره وحسن عمله» قيل : فأيّ الناس شرّ؟ قال : «من طال عمره وساء عمله» (٣) وقرأ حمزة : ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن
__________________
(١) أخرجه العجلوني في كشف الخفاء ٢٥.
(٢) أخرجه الزبيدي في إتحاف السادة المتقين ١ / ٣٢٣ ، ٧ / ٥٧٢ ، وابن عدي في الكامل في الضعفاء ٤ / ١٥١٨ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٢ / ٢٣٤.
(٣) أخرجه الترمذي في الزهد حديث ٢٣٣٠ ، وأحمد في المسند ٤ / ١٨٨ ، ٥ / ٤٠ ، ٤٣ ، ٤٧ ، ٤٨ ، ٤٩ ، ٥٠ ، والبيهقي في السنن الكبرى ٣ / ٣٧١ ، والحاكم في المستدرك ١ / ٣٣٩.