(الَّذِينَ) بدل من الذين قبله أو نعت (قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) أي : الجموع ليستأصلوكم (فَاخْشَوْهُمْ.)
روي أنّ أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت ، فقال صلىاللهعليهوسلم : «إن شاء الله» فلما كان القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مرّ الظهران فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم معتمرا فقال : يا نعيم إني واعدت محمدا أن نلتقي بموسم بدر وإنّ هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن وقد بدا لي أن لا أخرج إليه ، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جراءة ، ولأن يكون الخلف من قبلهم أحبّ إلي من أن يكون من قبلي ، فالحق بالمدينة فثبطهم وأعلمهم أني في جمع كثير ولا طاقة لهم بنا ولك عندي عشرة من الإبل أضعها في يد سهل بن عمرو ويضمنها ، فقال له نعيم : يا أبا يزيد أتضمن لي ذلك وأنطلق إلى محمد وأثبطه؟ قال : نعم ، فخرج نعيم حتى أتى المدينة ، فوجد الناس يجهزون لميعاد أبي سفيان فقال : أين تريدون؟ فقالوا : واعدنا أبو سفيان بموسم بدر الصغرى أن نقتتل بها ، فقال : بئس الرأي رأيتم أتوكم في دياركم وقراركم ، فلم يفلت منكم أحد إلا شريدا فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم والله لا يفلت منكم أحد ، فكره بعض أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخروج ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لأخرجنّ ولو وحدي ولو لم يخرج معي أحد» فخرج في سبعين راكبا وهم يقولون : حسبنا الله ونعم الوكيل ولم يلتفتوا إلى ذلك القول كما قال تعالى : (فَزادَهُمْ) ذلك القول (إِيماناً) أي : تصديقا بالله ويقينا (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) أي : كافينا أمرهم (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) أي : المفوّض إليه الأمر هو حتى وافوا بدرا الصغرى فجعلوا يلقون المشركين ويسألونهم عن قريش فيقولون : قد جمعوا لكم يريدون أن يرهبوا المسلمين فيقول المسلمون : حسبنا الله ونعم الوكيل وهذه هي الكلمة التي قالها إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه حين ألقي في النار ، حتى بلغوا بدرا وكانت موضع سوق لهم في الجاهلية يجتمعون إليها في كل عام ثمانية أيام ، فأقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم ببدر ينتظر أبا سفيان ثمان ليال ولم يلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه أحدا من المشركين ووافوا السوق وكان معهم تجارات فباعوها واشتروا أدما وزبيبا وأصابوا الدرهم درهمين وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين كما قال تعالى :
(فَانْقَلَبُوا) أي : انصرفوا (بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) أي : بعافية لم يلقوا عدوّا (وَفَضْلٍ) أي : تجارة وربح وهو ما أصابوا في السوق (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) أي : لم يصبهم أذى ولا مكروه ، ورجع أبو سفيان إلى مكة فسمى أهل مكة جيشه جيش السويق قالوا : إنما خرجتم لتشربوا السويق.
تنبيه : الناس الأول المثبطون والآخرون أبو سفيان وأصحابه.
فإن قيل : المثبط هو أبو نعيم فكيف قيل : الناس؟ أجيب : بأنه من جنس الناس كما يقال : فلان يركب الخيل ويلبس البرد وما له إلا فرس واحد ، وبرد واحد ولأنه حين قال ذلك لم يخل من ناس من أهل المدينة يثبطون مثل تثبيطه بل قيل : إنهم كانوا جماعة فقد مرّ بأبي سفيان ركب من عبد القيس يريدون المدينة للميرة فجعل لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوهم.
فإن قيل : كيف زادهم القول إيمانا؟ أجيب : بأنهم لما سمعوا ذلك وأخلصوا عنده النية والعزم على الجهاد وأظهروا حمية الإسلام كان ذلك أثبت ليقينهم وأقوى لاعتقادهم كما يزداد