الواو ، وقرأ هشام وبالكتاب بالباء الموحدة بعد الواو والباقون بغير باء وقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) زيادة تأكيد في تسليته صلىاللهعليهوسلم ومبالغة في إزالة الحزن عن قلبه ، فإنّ من علم أن عاقبته إلى الموت زالت عن قلبه الغموم والأحزان.
روي أنّ الله تعالى لما خلق آدم اشتكت الأرض إلى ربها لما أخذ منها فوعدها أن يردّ فيها ما أخذ منها فما من أحد إلا يدفن في التربة التي أخذ منها ، ولأنّ بعد هذه الدار دارا يتميز فيها المحسن من المسيء والمحق من المبطل ويجازى كلّ بما يستحقه كما قال تعالى : (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ) أي : جزاء أعمالكم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ (فَمَنْ زُحْزِحَ) أي : بعد (عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) بالنجاة ونيل المراد والفوز بالظفر بالبغية بالنظر إلى وجه الله تعالى الكريم (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) أي : العيش فيها (إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) أي : الباطل يتمتع به قليلا ثم يفنى.
روي أنّ الله تعالى يقول : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» اقرؤوا إن شئتم (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة ، ١٧] وإنّ في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرؤوا إن شئتم (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) [الواقعة ، ٣٠] ولموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها واقرؤوا إن شئتم (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ) الآية» (١).
وروي : «من أحبّ أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويؤتي الناس ما يحبّ أن يؤتى إليه» (٢) أي : يفعل بهم ما يحبّ أن يفعل به.
وقوله تعالى : (لَتُبْلَوُنَ) جواب قسم محذوف تقديره والله لنبلونّ وحذف منه نون الرفع لتوالي النونات والواو ضمير الجمع وحذفت واو الرفع لالتقاء الساكنين أي : لتختبرنّ (فِي أَمْوالِكُمْ) بالفرائض فيها والجوائح (وَ) في (أَنْفُسِكُمْ) بالعبادات والبلاء والأسر والجراح وغير ذلك (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : اليهود والنصارى (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) أي : مشركي العرب (أَذىً كَثِيراً) وذلك أنهم كانوا يقولون : عزير ابن الله والمسيح ابن الله وثالث ثلاثة وكانوا يطعنون في النبيّ صلىاللهعليهوسلم بكل ما يقدرون عليه وهجاه كعب بن الأشرف وكانوا يحرضون الناس على مخالفته صلىاللهعليهوسلم ويجمعون العساكر لمحاربته ويثبطون المسلمين عن نصرته (وَإِنْ تَصْبِرُوا) على ذلك (وَتَتَّقُوا) الله (فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي : من صواب التدبير والرشد الذي ينبغي لكل عاقل أن يقدم عليه ، واختلف في سبب نزول هذه الآية ، فقال ابن جريج والكلبيّ ومقاتل : نزلت في أبي بكر وفنحاص وذلك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث أبا بكر إلى فنحاص اليهودي ليستمدّه وكتب إليه كتابا لا تفتاتنّ علي بشيء حتى ترجع إليّ فجاء أبو بكر رضي الله تعالى عنه وهو متوشح بالسيف فأعطاه الكتاب فلما قرأه قال : احتاج ربك إلى أن نمدّه فهمّ أبو بكر أن يضربه بالسيف فتذكر أبو بكر قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم وكف عنه ، فنزلت وقال الزهري : نزلت في كعب بن الأشرف فإنه كان يهجو رسول الله صلىاللهعليهوسلم في شعره ويسب المسلمين ويحرض المشركين على النبيّ صلىاللهعليهوسلم وعلى أصحابه في شعره ويتشبب بنساء المسلمين.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في تفسيره حديث ٣٠١٣.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ٢ / ١٦١ ، ١٩١ ، ١٩٢ ، ٦ / ١٦.