الذكور وقيل : المراد وصلة الإسلام وهذه الجملة وهي بعضكم من بعض معترضة بين عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى وما فصل به عمل عامل من قوله : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) إلخ .. بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله تعالى عباده العاملين.
روي أنّ أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : «يا رسول الله أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فنزلت» (١) وقوله تعالى : (فَالَّذِينَ هاجَرُوا) أي : من مكة إلى المدينة (وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له والتفخيم كأنه قال : فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة وهي المهاجرة عن أوطانهم فارّين إلى الله تعالى بدينهم من دار الفتنة واضطروا إلى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشؤوا (وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) أي : ديني (وَقاتَلُوا) الكفار (وَقُتِلُوا) في الجهاد ، وقرأ حمزة والكسائي بتقديم قتلوا وتأخير قاتلوا وشدد ابن كثير وابن عامر التاء من قتلوا للتكثير (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) أي : أسترها بالمغفرة (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً) أي : أثيبهم بذلك إثابة (مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : تفضلا منه تعالى فهو مصدر مؤكد لما قبله ؛ لأنّ قوله تعالى : (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ) في معنى لأثيبنهم (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) أي : الجزاء. ولما كان المشركون في رخاء ولين من العيش يتجرون ويتنعمون ، وقال بعض المؤمنين : إن أعداء الله فيما نرى من الخير ونحن في الجهد نزل.
(لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ) أي : تصرف (الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) للتجارات وأنواع المكاسب والخطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم والمراد منه غيره وقوله تعالى :
(مَتاعٌ قَلِيلٌ) خبر مبتدأ محذوف أي : ذلك التقلب متاع قليل يتمتعون به في الدنيا يسيرا ويغني فهو قليل في جنب ما فاتهم من نعيم الآخرة أو في جنب ما أعدّ الله للمؤمنين من الثواب قال صلىاللهعليهوسلم : «ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع» (٢) رواه مسلم ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : «جئت فإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مشربة وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال : «ما يبكيك؟» فقلت : يا رسول الله إنّ كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت رسول الله فقال : «أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟» (٣)(ثُمَّ مَأْواهُمْ) أي : مصيرهم (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي : الفراش هي.
(لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ) أي : مقدرين الخلود (فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ) وهو ما يعد للضيف ونصبه على الحال من جنات لتخصيصها بالوصف
__________________
(١) أخرجه الترمذي في التفسير حديث ٣٠٢٣.
(٢) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٢٨٥٨ ، والترمذي في الزهد حديث ٢٣٢٣ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١٠٨.
(٣) أخرجه البخاري في التفسير حديث ٤٩١٣ ، ومسلم في الطلاق حديث ١٤٧٩ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤١٥٣.