تنبيه : نصب باطلا على الحال من هذا وهي حال لا يستغنى عنها لو حذفت لاختل الكلام وهي كقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) [الدخان ، ٣٨] وقيل : على إسقاط حرف الخفض وهو الباء والمعنى ما خلقتهما بباطل بل بحق وقدرة (سُبْحانَكَ) أي : تنزيها لك عن العبث وهو معترض بين قوله (رَبَّنا) وبين قوله (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) أي : للاختلال بالنظر في خلق السموات والأرض والقيام بما يقتضيه قال أبو البقاء : ودخلت الفاء لمعنى الجزاء والتقدير إذا نزهناك أو وحدناك فقنا قال ابن عادل : ولا حاجة إليه بل التسبب فيها ظاهر تسبب عن قولهم (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ) طلبهم وقاية النار.
(رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ) أي : للخلود فيها (فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) أي : أهنته (وَما لِلظَّالِمِينَ) أي : للكافرين فيه وضع الظاهر موضع المضمر إشعارا بتخصيص الخزي بهم (مِنْ أَنْصارٍ) أي : أنصار فمن زائدة زيدت لتأكيد النفي.
(رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي) أي : يدعو الناس (لِلْإِيمانِ) أي : إليه وهو محمد صلىاللهعليهوسلم أو القرآن العظيم (أَنْ) أي : بأن (آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا) به.
فإن قيل : أي فائدة في الجمع بين مناديا وينادي؟ أجيب : بأنه ذكر المبدأ مطلقا ثم مقيدا بالإيمان تفخيما لشأن المنادي ؛ لأنه لا منادي أعظم من مناد ينادي للإيمان ونحوه قولك : مررت بهاد يهدي للإسلام وذلك أنّ المنادي إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب أو لإغاثة المكروب أو نحو ذلك وكذا الهادي قد يطلق على من يهدي للطريق ويهدي لسداد الرأي وغير ذلك ، فإذا قلت : ينادي للإيمان ويهدي للإسلام فقد رفعت من شأن المنادي والهادي وفخمته ويقال : دعاه لكذا وإلى كذا (رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) أي : الكبائر منها (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا) أي : الصغائر منها أو يكون ذلك من باب التعميم والاستيعاب كقوله : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ولأنّ الإلحاح والمبالغة في الدعاء أمر مطلوب (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) أي : مخصوصين بصحبتهم معدودين في جملتهم وهم الأنبياء والصالحون وفيه تنبيه على إنهم يحبون لقاء الله تعالى «ومن أحب لقاء الله تعالى أحب الله لقاءه» (١) ، رواه الشيخان.
(رَبَّنا وَآتِنا) أي : أعطنا (ما وَعَدْتَنا) به (عَلى) ألسنة (رُسُلِكَ) من الرحمة والفضل وسؤالهم ذلك ، وإن كان وعده تعالى لا يتخلف سؤال أن يجعلهم من مستحقيه ؛ لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم لتلك الكرامة ، فسألوه أن يجعلهم مستحقين لها وتكرير ربنا مبالغة في التضرّع. وفي الآثار : من حزبه أي أصابه أمر فقال : ربنا خمس مرات أنجاه الله تعالى مما يخاف وأعطاه ما أراد (وَلا تُخْزِنا) أي : ولا تعذبنا ولا تفضحنا ولا تهنا (يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) أي : الموعد بإثابة المؤمن وإجابة الداعي ، وعن ابن عباس : الميعاد البعث بعد الموت.
(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) دعاءهم وهو أخص من أجاب ؛ لأنه يفيد حصول جميع المطلوب لكثرة مبانيه ؛ لأنّ كثرة المباني تدل على كثرة المعاني ويتعدّى بنفسه وباللام (أَنِّي) أي : بأني (لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) وقوله تعالى : (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) بيان عامل (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي : يجمع ذكركم وأنثاكم أصل واحد فكل واحد منكم من الآخر أي : الذكور من الإناث والإناث من
__________________
(١) أخرجه البخاري في الرقاق حديث ٦٥٠٧ ، ومسلم في الذكر حديث ٢٦٨٣ ، والترمذي في الجنائز حديث ١٠٦٦ ، والنسائي في الجنائز حديث ١٨٣٤ ، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٢٦٤.