فلم تظله ، فقالت أمه : لعل فرطة فرطت منك في مدتك فقال : ما أذكر؟ قالت : لعلك نظرت مرّة إلى السماء ولم تعتبر قال : لعل ، قالت : فما أوتيت إلا من ذاك.
وقوله تعالى : (الَّذِينَ) نعت لما قبله أو بدل (يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) أي : مضطجعين أي : يذكرونه دائما على الحالات كلها قائمين وقاعدين ومضطجعين ؛ لأنّ الإنسان قلّ أن يخلو من إحدى هذه الحالات الثلاث.
وروى الطبرانيّ وغيره : أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله» (١). وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه هذا في الصلاة يصلي قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنب ، وعن عمران بن حصين قال : سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن صلاة المريض فقال : «يصلي قائما فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنب» (٢).
تنبيه : قياما وقعودا حالان من فاعل يذكرون وعلى جنوبهم حال أيضا فيتعلق بمحذوف ، والمعنى يذكرون قياما وقعودا ومضطجعين فعطف الحال المؤوّلة على الصريحة عكس الآية الأخرى وهي قوله : دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما حيث عطف الصريحة على المؤوّلة (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما أبدع فيهما ليدلهم ذلك على قدرة الله تعالى ويعرفون أنّ لهما مدبرا حكيما. قال بعض العلماء : الفكرة تذهب الغفلة ، وتحدث في القلب الخشية كما يحدث الماء للزرع النبات ، وما جليت القلوب بمثل الأحزان ولا استنارت بمثل الفكرة.
وروي عنه صلىاللهعليهوسلم : «لا تفضلوني على يونس بن متى» (٣) ـ أي : تفضيلا يؤدي إلى تنقيصه وإلا فهو صلىاللهعليهوسلم سيد ولد آدم ـ فإنه كان يرفع له كل يوم مثل عمل أهل الأرض. قالوا : وإنما كان ذلك التفكر في أمر الله تعالى الذي هو عمل القلب ، لأنّ أحدا لا يقدر أن يعمل بجوارحه في اليوم مثل عمل أهل الأرض ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «لا عبادة كالتفكر» (٤) أي : لأنه المخصوص بالقلب والمقصود من الخلق لكن الحديث رواه البيهقيّ وغيره وضعفوه وقال صلىاللهعليهوسلم : «بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى السماء والنجوم فقال : أشهد أنّ لك ربا وخالقا اللهمّ اغفر لي فنظر الله تعالى إليه فغفر له» (٥) رواه الثعلبيّ بسند فيه من لا يعرف قال البيضاوي : وهذا دليل واضح على شرف علم أصول الدين وفضل أهله وقوله تعالى : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) على إرادة القول أي : يتفكرون قائلين ذلك ، وهذا إشارة إلى الخلق بمعنى المخلوق من السموات والأرض أو إلى السموات والأرض ؛ لأنهما في معنى المخلوق والمعنى ما خلقته عبثا وضائعا من غير حكمة بل خلقته لحكم عظيمة من جملتها أن يكون مبدأ لوجود الإنسان وسببا لمعاشه ودليلا يدله على معرفتك ويحثه على طاعتك لينال الحياة الأبدية والسعادة السرمدية في جوارك.
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٠ / ٣٢٦ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ١٨٨٦.
(٢) أخرجه البخاري في الجمعة حديث ١١١٧ ، وأبو داود في الصلاة حديث ٩٥٢ ، والترمذي في الصلاة حديث ٣٧١ ، وابن ماجه في الإقامة حديث ١٢٢٣.
(٣) أخرجه القاضي عياض في الشفاء ١ / ٢٦٥ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٢ / ١٠٥.
(٤) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ١٠ / ٢٨٣ ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ٤ / ٢٢١.
(٥) أخرجه القرطبي في تفسيره ٤ / ٣١٤ ، والسيوطي في الدر المنثور ٢ / ١١١ ، وابن حجر في الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف ١ / ٦٤.