حيث إنه خليفته كما قال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء ، ٨٠] (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح ، ١٠] وأمّا أنّ صورة صنيعهم مع الله تعالى من إظهار الإيمان واستبطان الكفر وصنيع الله معهم من إجراء أحكام المسلمين عليهم وهم عنده أخبث الكفار وأهل الدرك الأسفل من النار استدراجا لهم وامتثال الرسول والمؤمنين أمر الله في إخفاء حالهم وإجراء حكم الإسلام مجاراة لهم بمثل صنيعهم صورة صنيع المتخادعين ، ويحتمل أن يراد بيخادعون يخدعون لأنه بيان ليقول أو استئناف بذكر ما هو الغرض منه إلا أنه أخرج في زنة فاعل للمبالغة فإن الزنة لما كانت للمغالبة والفعل متى غولب فيه كان أبلغ منه إذا جاء بلا مغالبة معارض استصحبت الزنة ما ذكر من المبالغة وقال الجلال المحلي : والمخادعة هنا من واحد كعاقبت اللص وذكر الله فيها تحسين. (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) لأنّ وبال خداعهم راجع عليهم فيفتضحون في الدنيا باطلاع نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة والنفس ذات الشيء وحقيقته. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بضمّ الياء وفتح الخاء وألف بعدها وكسر الدال ، وقرأ الباقون وهم عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي وما يخدعون بفتح الياء وسكون الخاء ولا ألف بعدها وفتح الدال ولا خلاف بين القرّاء في الكلمة الأولى وهي يخادعون الله فالجميع قرؤوا بضمّ الياء وفتح الخاء وألف بعدها وكسر الدال وأمّا الرسم في الموضعين فبغير ألف (وَما يَشْعُرُونَ) أي : لا يحسون بمعنى لا يعلمون أنّ خداعهم لأنفسهم لتمادي غفلتهم جعل لحوق وبال الخداع ورجوع ضرره إليهم في الظهور كالمحسوس الذي لا يخفى إلا على موؤف الحواس وهو المصاب بآفة.
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : شك ونفاق لأن ذلك يمرض قلوبهم أي : يضعفها ، والمرض حقيقة هو فيما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال الخاص به ويوجب الخلل في أفعاله ومجاز في الأعراض النفسانية التي تخل بكمال أفعالها كالجهل وسوء العقيدة والحسد والبغض وحب المعاصي لأنها مانعة من نيل الفضائل أو مؤدّية إلى زوال الحياة الحقيقية الأبدية ، والآية تحتمل الحقيقة والمجاز وعلى المجاز اقتصر أكثر المفسرين لأنه أبلغ من الحقيقة (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) بما أنزل من القرآن لأنه كلما أنزل آية كفروا بها فازدادوا شكا ونفاقا وإسناد الزيادة إلى الله تعالى من حيث إنه خلقها وأوجدها وإلى السورة في قوله تعالى : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً) [التوبة ، ١٢٥] لكونها سببا ، وقرأ حمزة وابن ذكوان بإمالة الألف التي بعد الزاي محضة ، والباقون بالفتح (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي : مؤلم بفتح اللام وصف به العذاب للمبالغة إذ الألم إنما هو للمعذب حقيقة لا للعذاب فنسبة الألم إلى العذاب مجاز ويجوز كسر لام مؤلم كسميع بمعنى مسمع وعليه فنسبة الأليم إلى العذاب حقيقة (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بضمّ الياء وفتح الكاف وتشديد الذال أي : بتكذيبهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقرأ الباقون بفتح الياء وسكون الكاف وتخفيف الذال أي : بكذبهم في قولهم : آمنا لأنّ الإيمان التصديق بالقلب والكذب هو الخبر عن الشيء على خلاف ما هو به ، قال البيضاويّ تبعا للزمخشري : وهو حرام كله لأنه علل به استحقاق العذاب حيث رتب على الكذب وما روي أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسّلام كذب ثلاث كذبات أي : لما روى البخاريّ ومسلم في حديث الشفاعة «فيقول إبراهيم : إني كذبت ثلاث كذبات» (١) وذكر
__________________
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٣٥٨ ، ومسلم في الفضائل حديث ٢٣٧١ ، والترمذي في التفسير حديث ٣١٤٨.