رسم دار وقفت في طلله
أي : ورب رسم دار وقول الشاعر (١) :
اذهب فما بك والأيام من عجب
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) أي : حافظا لأعمالكم فيجازيكم بها أي : لم يزل متصفا بذلك
(وَآتُوا الْيَتامى) أي : بعد البلوغ والرشد (أَمْوالَهُمْ) وسموا اليتامى بعد البلوغ مع أنّ اليتيم في عرف الشرع صغير لا أب له على معنى أنهم كانوا يتامى ، وإن كان اليتم في اللغة الانفراد ، ومنه الدرّة اليتيمة ، وقيل : اليتيم في الإناس من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات وفي الطير من قبلهما ، والخطاب للأولياء والأوصياء.
روي أنّ رجلا كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم فلما بلغ اليتيم طلب المال من عمه فمنعه فترافعا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه الآية ، فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع إليه ماله ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحله داره» أي : جنته ، وسيأتي تفسير الحوب الكبير ، فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «ثبت الأجر وبقي الوزر» فقالوا : يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله؟ فقال : «ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده» (٢) أي : ولعله كان لا يخرج زكاته (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ) أي : الحرام (بِالطَّيِّبِ) أي : الحلال أي : لا تأخذوه بدله كما تفعلون في أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه.
قال الزمخشريّ : وهذا ليس بتبدل ، وإنما هو تبديل ، قال التفتازانيّ : لأن معنى تبدلت هذا بذاك أنك أخذت هذا وتركت ذاك وكذا استبدلت ؛ لأنّ معنى بدلت هذا بذاك أخذت ذاك وأعطيت هذا قال تعالى : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) [البقرة ، ١٠٨] فإذا أعطى الرديء وأخذ الجيد فقد أعطى الخبيث وأخذ الطيب كما لو أخذ الخبيث وترك الطيب ؛ ليكون تبدل الخبيث بالطيب ، فالحاصل أنّ في التبدل ما دخلته الباء متروك ، وما تعدى إليه الفعل بنفسه مأخوذ وفي التبديل بالعكس اه. وقد أوضحت ذلك في «شرح المنهاج» (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى) أي : مع (أَمْوالِكُمْ) كقوله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [آل عمران ، ٥٢] أي : مع الله ، أي : لا تنفقوهما معا ، ولا تسووا بينهما ، فأكلكم أموالكم حلال لكم ، وأكلكم أموالهم حرام عليكم ، فلا يحل لكم من أموالهم ما زاد على قدر الأقل من أجرتكم ونفقتكم.
فإن قيل : قد حرم الله عليهم أكل مال اليتيم وحده ومع أموالهم فلم ورد النهي عن أكله معها؟ أجيب : بأنهم كانوا يفعلون كذلك فأنكر عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم ؛ ولأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال ، وهم مع ذلك يطمعون فيها ، كان
__________________
وخزانة الأدب ١٠ / ٢٠ ، والدرر ٤ / ٨٤ ، ١٩٩ ، وسمط اللآلي ص ٥٥٧ ، ولسان العرب (جلل) ، وتاج العروس (جلل).
(١) صدره :
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا
والبيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الأنصاف ص ٤٦٤ ، وخزانة الأدب ٥ / ١٢٣ ـ ١٢٦ ، والدرر ٢ / ٨١ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢٠٧ ، وشرح ابن عقيل ص ٥٠٣ ، والكتاب ٢ / ٣٩٢.
(٢) أخرجه القرطبي في تفسيره ٥ / ٨.