في شيء ما أغلظ فيه حتى طعن بإصبعه في صدري وقال : «يا عمر ألا يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء وإني إن أعش أقض فيها بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لا يقرأ القرآن» (١) وقوله : «ألا يكفيك آية الصيف» أراد أنّ الله تعالى أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أوّل سورة النساء ، والأخرى في الصيف وهي التي في آخرها ، وفيها من البيان ما ليس في آية الشتاء ، فلذلك أحاله عليها.
وقوله تعالى : (أَوِ امْرَأَةٌ) عطف على رجل أي : أو امرأة تورث كلالة (وَلَهُ) أي : الرجل (أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) واكتفى بحكم الرجل عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه ، ويصح أن يعود الضمير على الموروث الكلالة فيشمل الرجل والمرأة (فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) وقد أجمعوا على أنّ المراد به الأخ والأخت من الأم (فَإِنْ كانُوا) أي : الأخت والأخوات من الأم (أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ) أي : من واحد (فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) يستوي فيه ذكورهم وإناثهم ؛ لأنّ الإدلاء بمحض الأنوثة (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ) وقوله تعالى : (غَيْرَ مُضَارٍّ) حال من ضمير يوصي أي : غير مدخل الضرر على الورثة بأن يوصي بأكثر من الثلث ، وعن قتادة : كره الله الضرار في الحياة وعند الممات ونهى عنه.
وعن الحسن المضارّة في الدين أن يوصي بدين ليس عليه ، ومعناه الإقرار ، وقوله تعالى : (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) مصدر مؤكد ليوصيكم أي : يوصيكم بذلك وصية كقوله : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) [النساء ، ١١] (وَاللهُ عَلِيمٌ) بما دبره لخلقه من الفرائض (حَلِيمٌ) بتأخير العقوبة عمن خالفه.
تنبيه : خصت السنة توريث من ذكر بمن ليس فيه مانع من قتل أو اختلاف دين أو رق.
(تِلْكَ) أي : الأحكام المذكورة في أمر اليتامى والوصايا والمواريث (حُدُودُ اللهِ) أي : شرائعه التي حدّها لعباده ليعملوا بها ولا يتعدّوها (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) فيما حكما به (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وقوله تعالى : (خالِدِينَ فِيها) حال مقدرة كقولك : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا (وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.)
(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) أي : الله (يُدْخِلْهُ ناراً) وقوله تعالى : (خالِداً فِيها) حال كما مرّ ، ولا يجوز أن يكون (خالدين) و (خالدا) صفتين لجنات ونار ؛ لأنهما جريا على غير من هما له ، فلا بدّ من الضمير وهو قولك : خالدين هم فيها وخالدا هو فيها هذا على مذهب البصريين ، أما على مذهب الكوفيين فهو جائز عندهم عند أمن اللبس كما هنا ، وهو الراجح كما جرى عليه ابن مالك وغيره (وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) أي : ذو إهانة ، وروعي في الضمائر في الآيتين لفظ من وفي خالدين معناها. وقرأ نافع وابن عامر (ندخله جنات) و (ندخله نارا) بالنون فيهما على الالتفات ، والباقون بالياء.
(وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) أي : الزنا (مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي : من رجال المسلمين ، وهذا خطاب للحكام أي : فاطلبوا عليهنّ أربعة من الشهود ، وفيه بيان أنّ الزنا لا يثبت إلا بأربعة من الشهود (فَإِنْ شَهِدُوا) عليهنّ بها (فَأَمْسِكُوهُنَ) أي : احبسوهنّ (فِي الْبُيُوتِ)
__________________
(١) أخرجه مسلم في الفرائض حديث ١٦١٧ ، والمساجد حديث ٥٦٧ ، وأبو داود في الفرائض باب ٣ ، وابن ماجه في الفرائض باب ٥ ، ومالك في الفرائض حديث ٧ ، وأحمد في المسند ١ / ١٥ ، ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٨ ، ٤٨ ، ٤ / ٢٩٣ ، ٢٩٥ ، ٣٠١.