واجعلوها سجنا لهنّ وامنعوهنّ عن مخالطة الناس ، وقرأ ورش وأبو عمرو وحفص بضمّ الباء والباقون بكسرها (حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ) أي : ملائكته (أَوْ) إلى أن (يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) أي : طريقا إلى الخروج منها أمروا بذلك أوّل الإسلام ، ثم جعل لهنّ سبيلا بجلد البكر مئة وتغريبها عاما ورجم المحصنة ، وفي الحديث ، لما بين الحدّ قال : «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهنّ سبيلا» (١). رواه مسلم (وَالَّذانِ) أي : الزاني والزانية ، وقرأ ابن كثير بتشديد النون والباقون بالتخفيف (يَأْتِيانِها) أي : فاحشة الزنا (مِنْكُمْ) أي : الرجال (فَآذُوهُما) بالسب والضرب بالنعال (فَإِنْ تابا) أي : منها (وَأَصْلَحا) أي : العمل (فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) ولا تؤذوهما (إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً) على من تاب (رَحِيماً) به ، وهو علة الأمر بالإعراض وترك المذمة وهذا منسوخ بالحدّ.
روى ابن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما أخبراه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال أحدهما : يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله ، فقال الآخر وكان أفقههما : أجل يا رسول الله فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم فقال : إنّ ابني كان عسيفا على هذا فزنا بامرأته فأخبروني أنّ على ابني الرجم فافتديت منه بمئة شاة وبجارية لي ، ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مئة وتغريب سنة وإنما الرجم على امرأته ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله أما غنمك وجاريتك فردّ عليك» وجلد ابنه مئة وغرّبه عاما (٢). أي : لأنه كان غير محصن وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها (٣).
وروى ابن عباس عن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال : إنّ الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ورعيناها ، رجم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو الاعتراف. وجملة حد الزنا أنّ الزاني إذا كان محصنا وهو الذي اجتمع فيه أربعة أوصاف : العقل والبلوغ والحرّية والإصابة بالنكاح الصحيح ، فحدّه الرجم مسلما كان أو ذميّا ، وعند أبي حنيفة أنّ الإسلام من شرائط الإحصان فلا يرجم عنده الذميّ ، ويردّه ما صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أنه رجم يهوديين زنيا وكانا قد أحصنا» (٤) وإن كان الزاني غير محصن بأن لم تجتمع فيه هذه الأوصاف نظر إن كان غير بالغ أو مجنونا فلا حد عليه وإن كان حرّا عاقلا بالغا غير أنه لم يصب بنكاح صحيح فعليه جلد مئة وتغريب عام وإن كان رقيقا فعليه جلد خمسين وتغريب نصف
__________________
(١) أخرجه مسلم في الحدود حديث ١٦٩٠ ، وأبو داود في الحدود حديث ٤٤١٥ ، والترمذي في الحدود حديث ١٤٣٤ ، وابن ماجه في الحدود حديث ٢٥٥٠.
(٢) أخرجه البخاري في الأيمان حديث ٦٦٣٣ ، وأبو داود في الحدود حديث ٤٤٤٥ ، والنسائي في القضاة حديث ٥٤١٠.
(٣) انظر البخاري في الشروط باب ٩ ، والأيمان باب ٣ ، والحدود باب ٣٠ ، ومسلم في الحدود حديث ٢٥ ، والترمذي في الحدود باب ٥ ، ٨ ، والنسائي في القضاة باب ٢٢ ، وابن ماجه في الحدود باب ٧.
(٤) أخرجه البخاري في الجنائز حديث ١٣٢٩ ، وأبو داود في الحدود حديث ٤٤٤٦ والترمذي في الحدود حديث ١٤٣٦ ، والدارمي في الحدود حديث ٢٣٢١.