فروجهنّ بكلمة الله» (١). وقد قيل : صحبة عشرين يوما قرابة فكيف بما جرى بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج. ولما توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار خطب ابنه قيس امرأة أبيه وكان أهل الجاهلية ينكحون أزواج آبائهم فقالت : إني أعدّك ولدا وأنت من صالحي قومك ، ولكني آتي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أستأمره فأتته وأخبرته بذلك فنزل (٢).
(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) وإنما عبر بما دون من ؛ لأنه أريد به صفة ذات معينة وهي كونهنّ منكوحات الآباء ، وقيل : ما مصدرية على إرادة المفعول من المصدر وقوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) استثناء من المعنى اللازم للنهي فكأنه قيل : تستحقون العقاب بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف أو من اللفظ للمبالغة في التحريم ، والمعنى : لا تنكحوا حلائل آبائكم إلا ما قد سلف إن أمكنكم أن تنكحوه ولا يمكن ذلك والغرض المبالغة في تحريمه وسدّ الطريق إلى إباحته كما يعلق بالمحال في التأبيد في نحو قوله تعالى : (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ) [الأعراف ، ٤٠] أو منقطع أي : لكن ما قد سلف من فعلكم ذلك فإنه معفو عنه وقوله تعالى : (إِنَّهُ) أي : نكاحهنّ (كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً) علة للنهي أي : إنه فاحشة فكان مزيدة أي : قبيحا عند الله تعالى ما رخص فيه لأمّة من الأمم ممقوتا عند ذوي المروءات من الجاهلية وغيرهم وكانت العرب تقول لولد الرجل من امرأة أبيه : المقتى ويسمي به الرجل المذكور أيضا قال في «القاموس» : نكاح المقت أن يتزوّج امرأة أبيه بعده فالمقتى ذلك المتزوّج أو ولده أي : ومن ثم قيل : ومقتا كأنه قيل : هو فاحشة في دين الله بالغة في القبح قبيح ممقوت في المروءة ولا مزيد على ما يجمع القبحين (وَساءَ) أي : بئس (سَبِيلاً) أي : طريقا ذلك ، روي عن البراء بن عازب أنه قال : «مرّ بي خالي ومعه لواء فقلت : أين تذهب؟ فقال : بعثني رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى رجل تزوّج امرأة أبيه آتيه برأسه» (٣).
واعلم أن أسباب التحريم المؤبد ثلاثة : قرابة ورضاع ومصاهرة وضابط المحرمات بالنسب والرضاع أن يقال : محرم نساء القرابة إلا من دخلت تحت ولد العمومة أو ولد الخؤولة وقد بدأ الله بالسبب الأوّل وهو القرابة فقال : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) أي : العقد عليهنّ وكذلك يقدّر في الباقي ؛ لأن تحريم نكاحهنّ هو الذي يفهم من تحريمهنّ كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها ومن تحريم لحم الخنزير تحريم أكله.
والأمّهات جمع أمّ وأصلها أمّهة ، قاله الجوهريّ. وضابط الأمّ هي كل من ولدتك فهي أمّك حقيقة أو ولدت من ولدك ذكرا كان أو أنثى كأم الأب وإن علت وأمّ الأمّ كذلك فهي أمّك مجازا ، وإن شئت قلت : هي كل أنثى ينتهي إليها نسبك (وَبَناتُكُمْ) جمع بنت وضابطها هو كل من ولدتها فهي بنتك حقيقة أو ولدت من ولدها ذكرا كان أو أنثى كبنت ابن وإن نزل وبنت بنت وإن نزلت فبنتك مجازا وإن شئت قلت : كل أنثى ينتهي إليك نسبها ، وخرج بالبنت المخلوقة من ماء زنا الرجل فإنها تحل له ؛ لأنها أجنبية عنه بدليل منع الإرث بالإجماع فلا تتبعض الأحكام ويحرم على
__________________
(١) أخرجه مسلم في الحج حديث ١٢١٨ ، وأبو داود في المناسك حديث ١٩٠٥ ، وابن ماجه في المناسك حديث ٣٠٧٤.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢ / ٣٩٤ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠٩١٨.
(٣) أخرجه أبو داود في الحدود حديث ٤٤٥٧ ، والنسائي في النكاح حديث ٣٣٣٢ ، والدارمي في النكاح حديث ٢٢٣٩.