يروى ذلك عن عمران بن حصين وأبي هريرة وهو قول أصحاب الرأي. وهل المباشرة بشهوة كلمس وقبلة كالوطء في تحريم الربيبة؟ فيه قولان :
أحدهما : وهو الأصح من مذهب الشافعيّ لا ؛ لأنّ ذلك لا يوجب العدّة ، فكذا لا يوجب الحرمة.
والثاني : نعم ؛ لأنّ ذلك كالوطء بجامع التلذذ بالمرأة ؛ ولأنه استمتاع يوجب الفدية على المحرم فكان كالوطء وبهذا قال جمهور العلماء.
ثم ذكر سبحانه وتعالى تحريم الجمع بقوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) أي : ولا يجوز للرجل أن يجمع بين أختين في نكاح سواء كانتا من نسب أم رضاع سواء أنكحهما معا أم مترتبا ، فإذا نكح امرأة ، ثم طلقها بائنا جاز له نكاح أختها ، وخرج بالجمع في النكاح الجمع بملك اليمين ، فإنه جائز لكن لا يجوز أن يجمع بينهما في الوطء فإذا وطىء إحداهما لم يحل له وطء الأخرى حتى يحرّم الأولى على نفسه ، ويلحق بالأختين بالسنة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها من نسب أو رضاع ولو بواسطة ، قال صلىاللهعليهوسلم : «لا تنكح المرأة على عمتها ولا العمة على بنت أخيها ولا المرأة على خالتها ولا الخالة على بنت أختها لا الكبرى على الصغرى ولا الصغرى على الكبرى» (١) ، رواه الترمذي وغيره وصححوه ؛ ولما فيه من قطيعة الرحم ، وإن رضيت بذلك ، فإن الطبع يتغير وإليه أشار صلىاللهعليهوسلم في خبر النهي عن ذلك بقوله : «إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامهنّ» (٢). كما رواه ابن حبان وغيره ، وضابط تحريم الجمع ابتداء ودواما هو كل امرأتين بينهما قرابة أو رضاع ولو فرضت إحداهما ذكرا حرم الجمع بينهما بنكاح أو وطء بملك اليمين ، وقوله تعالى : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) استثناء عن لازم المعنى وهو المؤاخذة ، فكأنه قال تعالى : تؤاخذون بذلك إلا ما قد سلف قبل النهي فلا تؤاخذون به أو منقطع أي : لكن ما قد سلف من نكاح بعض ما ذكر فإنه مغفور لكم ويؤيد هذا قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً) لما سلف منكم قبل النهي (رَحِيماً) بكم في ذلك ، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر من رواية ابن ذكوان وعاصم بإظهار دال قد عند السين والباقون بالإدغام.
(وَ) حرمت (الْمُحْصَناتُ) أي : ذوات الأزواج (مِنَ النِّساءِ) أن تنكحوهنّ قبل مفارقة أزواجهنّ سواء أكن حرائر أم لا ، مسلمات أم لا ، قال أبو سعيد الخدري : نزلت في نساء كنّ هاجرن إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولهنّ أزواج ، فتزوّجهن بعض المسلمين ، ثم قدم أزواجهن مهاجرين ، فنهى الله المسلمين عن نكاحهنّ ، ثم استثنى فقال : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي : من الإماء بالسبي فلكم وطؤهنّ وإن كان لهنّ أزواج في دار الحرب بعد الاستبراء ؛ لأنّ بالسبي يرتفع النكاح بينها وبين زوجها ، قال أبو سعيد الخدري : بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم حنين جيشا إلى أوطاس ، فأصابوا سبايا لهنّ أزواج من المشركين ، فكرهوا غشيانهنّ وتحرجوا فأنزل الله هذه الآية (٣).
فائدة : قرأ الكسائي جميع ما في القرآن من لفظ المحصنات ومحصنات بكسر الصاد إلا هذا
__________________
(١) أخرجه أبو داود في النكاح حديث ٢٠٦٥.
(٢) ابن حبان في صحيحه حديث ٤١١٦.
(٣) انظر مسلم في الرضاع حديث ١٤٥٦ ، وأبا داود في النكاح حديث ٢١٥٥ ، والترمذي في النكاح حديث ١١٣٢ ، والنسائي في النكاح حديث ٣٣٣٣.