الحرف فإنه فتح الصاد موافقة للجميع ، ووجه تسميتهنّ بذلك ؛ لأنهنّ أحصن فروجهنّ بالتزويج فهنّ محصنات ، ومحصنات بالكسرة في غير هذه الآية وقوله تعالى : (كِتابَ اللهِ) مصدر مؤكد لمضمون الجملة التي قبله وهي حرمت عليكم إلخ .. أي : كتب الله (عَلَيْكُمْ) تحريم هؤلاء كتابا وقوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ) عطف على الفعل المضمر الذي نصب كتاب الله إذا قرىء بالبناء للفاعل كما قرأه غير حفص وحمزة والكسائي ، وأمّا هم فقرؤوه بالبناء للمفعول عطفا على حرمت (ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي : سوى ما حرم عليكم من النساء وقوله تعالى : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) مفعول له والمعنى أحل لكم ما وراء ذلك إرادة أن تبتغوا أي : تطلبوا النساء بأموالكم التي جعل الله لكم قياما في حال كونكم محصنين أي : متزوّجين غير مسافحين أي : زانين ؛ لئلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دنياكم ودينكم ولا مفسدة أعظم مما يجمع بين الخسرانين.
والإحصان : العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام والمسافح الزاني من السفح وهو صبّ المني ، وكان الفاجر يقول للفاجرة : سافحيني ماذيني من المذي. والأموال المهور وما يخرج في المناكح.
تنبيه : يجوز أن يكون مفعول تبتغوا مقدرا وهو النساء كما قدّرته لك ، قال الزمخشري : والأجود أن لا يقدر وكأنه قيل : أن تخرجوا أموالكم ويجوز أن يكون أن تبتغوا بدلا مما وراء ذلكم بدل اشتمال ؛ لأنّ المبدل منه ذات والمبدل معنى والذات مشتملة عليه (فَمَا) أي : فمن (اسْتَمْتَعْتُمْ) أي : تمتعتم (بِهِ مِنْهُنَ) أي : ممن تزوجتم بالوطء (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي : مهورهنّ ، فإنّ المهر في مقابلة الاستمتاع ، وقوله تعالى : (فَرِيضَةً) حال من الأجور بمعنى مفروضة أو صفة مصدر محذوف أي : إيتاء مفروضا أو مصدر مؤكد (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ) أنتم وهنّ (بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) فيما يزاد على المسمى أو يحط عنه بالتراضي ، أو فيما تراضيا به من نفقة أو مقام أو فراق.
وقيل : نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم نسخت كان الرجل ينكح المرأة وقتا معلوما ليلة أو ليلتين أو أسبوعا بثوب أو غير ذلك ويقضي منها وطره ثم يسرحها سميت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها ، وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه أباحها ثم أصبح يقول : «يأيها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء إلا أنّ الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة» (١). وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال : «لا أوتى برجل تزوّج بامرأة إلى أجل إلا رجمتهما بالحجارة» (٢). وعن ابن عباس أنه قال : هي محكمة أي : تنسخ وكان يقرأ : فما استمتعتم به إلى أجل مسمى ، ويروى أنه رجع عن ذلك عند موته وقال : اللهمّ إني أتوب إليك من قولي بالمتعة ، وقيل : إنها أبيحت مرّتين وحرمت مرّتين (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بخلقه (حَكِيماً) فيما دبره لهم.
(وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) أي : غنى وأصل الطول الفضل يقال : لفلان على فلان طول
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه بلفظ قريب منه ابن أبي شيبة في المصنف ٧ / ٢٩٢ ، بلفظ : «لا أوتي بمحلل ومحلل له إلا رجمتهما».