أي : زيادة فضل وقد طاله طولا فهو طائل كما قال القائل (١) :
لقد زادني حبا لنفسي أنني |
|
بغيض إلى كل امرىء غير طائل |
ومنه قولهم : هذا أمر ما تحته طائل أي : شيء يعتد به مما له فضل وخطر ، ومنه الطول في الجسم ؛ لأنه زيادة فيه كما أنّ القصر قصور فيه ونقصان ، والمعنى : ومن لم يستطع زيادة في المال وسعة (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) أي : الحرائر وقوله تعالى : (الْمُؤْمِناتِ) جرى على الغالب ، فلا مفهوم له فإن الحرائر الكتابيات كذلك (فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) أي : إمائكم المؤمنات أي : ومن لم يقدر على مهر الحرّة المؤمنة أي : أو الكتابية كما مرّ فليتزوّج الأمة المؤمنة ، وظاهر الآية حجة للشافعي رضي الله تعالى في تحريم نكاح الأمة على من ملك ما يجعله صداق حرّة ومنع نكاح الأمة الكتابية مطلقا ، وأوّل أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه طول المحصنات بأن يملك فراشهنّ على أنّ النكاح هو الوطء وحمل قوله : (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) على الأفضل كما حمل عليه قوله : (المحصنات المؤمنات).
ومن أصحابنا من حمله أيضا على التقييد وجوّز نكاح الأمة لمن قدر على الحرّة والكتابية دون المؤمنة حذرا من مخالطة الكفار وموالاتهم ، والمحذور في نكاح الأمة رق الولد ؛ ولأنها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة ، وذلك كله نقصان راجع إلى الناكح ومهانة ، والعزة من صفات المؤمنين ، وأمّا وطؤها بملك اليمين فجائز باتفاق.
فائدة : قوله تعالى : (فَمِنْ ما مَلَكَتْ) من مقطوعة عن ما (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) أي : بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم في الإيمان ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم ، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرّة ، والمرأة أفضل في الإيمان من الرجل وحق المؤمنين أن لا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب ، وهذا تأنيس بنكاح الإماء وترك الاستنكاف منه فإنه العالم بالسرائر (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي : أنتم وإماؤكم سواء في النسب والدين نسبكم من آدم ودينكم الإسلام فلا تستنكفوا من نكاحهنّ (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) أي : مواليهنّ (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي : أدوا إليهنّ مهورهنّ بإذن أهلهنّ فحذف بإذن لتقدّم ذكره ، أو أدوا إلى مواليهنّ فحذف المضاف للعلم بأن المهر للسيد ؛ لأنه عوض حقه فيجب أن يؤدّى إليه ، وقال مالك : المهر للأمة ذاهبا إلى ظاهر الآية (بِالْمَعْرُوفِ) أي : من غير مطل ولا ضرار وقوله تعالى : (مُحْصَناتٍ) أي : عفيفات حال من ضمير فانكحوهنّ وهو محمول على الندب بناء على المشهور من جواز نكاح الزواني (غَيْرَ مُسافِحاتٍ) أي : زانيات جهرا (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) أي : أخلاء يزنون بها سرا جمع خدن وهو الصديق في السر ، وقيل : المسافحات اللاتي يزنين مع أي رجل ، وذوات الأخدان اللاتي يزنين مع معين وذلك بحسب ما كان في الجاهلية.
(فَإِذا أُحْصِنَ) قرأ شعبة وحمزة والكسائي أحصن بفتح الهمزة والصاد على البناء للفاعل أي : تزوّجن والباقون بضم الهمزة وكسر الصاد على البناء للمفعول أي : زوّجن ، (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ) أي : زنا (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ) أي : الحرائر الأبكار إذا زنين (مِنَ الْعَذابِ) أي : الحدّ فيجلدن خمسين ويغربن نصف سنة ، ويقاس عليهنّ العبد.
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في صبح الأعشى ٢ / ٣٢٨.