فإن قيل : ما فائدة وجوب تنصيف الحدّ عليهنّ بتقييده بتزوّجهنّ إذ تنصيف العذاب لازم للأمة الزانية تزوّجت أم لا؟ أجيب : بأنّ فائدة ذلك بيان أن لا رجم عليهنّ أصلا وبأنه إنما ذكر لبيان جواب سؤال إذ الصحابة رضي الله تعالى عنهم عرفوا مقدار حد الأمة قبل التزوّج دون مقداره بعده ، فسألوا عنه النبيّ صلىاللهعليهوسلم فنزلت الآية ، وذهب بعضهم إلى أنه لا حد على من لم يتزوّج من المماليك إذا زنا أخذا بظاهر الآية.
وروي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحدّ ولا يثربن عليها ثم إن عادت فليجلدها الحد ولا يثربن عليها ، فإن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر» (١)(ذلِكَ) أي : نكاح الإماء عند عدم الطول (لِمَنْ خَشِيَ) أي : خاف (الْعَنَتَ) أي : الزنا ، وأصله المشقة سمي به الزنا ؛ لأنه سببها بالحدّ في الدنيا أو العقوبة في الأخرى (مِنْكُمْ) أيها الأحرار بخلاف من لم يخفه أمّا العبيد فيجوز لهم نكاح الإماء مطلقا لكن إن كان العبد مسلما فلا بد أن تكون الأمة مسلمة (وَأَنْ تَصْبِرُوا) عن نكاح الإماء متعففين (خَيْرٌ لَكُمْ) لئلا يصير الولد رقيقا ، وعن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت» (٢)(وَاللهُ غَفُورٌ) لمن لم يصبر (رَحِيمٌ) بأن وسع له في ذلك (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) شرائع دينكم ومصالح أموركم (وَيَهْدِيَكُمْ) أي : يرشدكم (سُنَنَ) أي : شرائع (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) من الأنبياء في التحريم والتحليل فتتبعوهم (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي : ويتجاوز عنكم ما أصبتم قبل أن يبين لكم (وَاللهُ عَلِيمٌ) بكم (حَكِيمٌ) فيما دبره لكم.
(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١) وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣) الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥) وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ
__________________
(١) أخرجه البخاري في البيوع حديث ٢١٥٢ ، ومسلم في الحدود حديث ١٧٠٣ ، وأبو داود في الحدود حديث ٤٤٧٠.
(٢) أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال ٤٤٥٤٣.