النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧))
(وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) إن وقع منكم تقصير في دينه (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ) قال السدي : هم اليهود والنصارى ، وقال بعضهم : هم المجوس ؛ لأنهم يستحلون نكاح الأخوات وبنات الأخ والأخت فلما حرمهنّ الله قالوا : فإنكم تحلون بنات الخالة والعمة والخالة والعمة عليكم حرام فانكحوا بنات الأخ والأخت ، فنزلت ، وقال مجاهد : هم الزناة (أَنْ تَمِيلُوا) أي : تعدلوا عن الحق (مَيْلاً عَظِيماً) بارتكاب ما حرم عليكم فتكونوا مثلهم.
(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) أي : يسهل عليكم أحكام الشرع ، وقد سهل كما قال تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ) [الأعراف ، ١٥٧] وقال صلىاللهعليهوسلم : «بعثت بالحنيفية السمحة» (١) أي : السهلة (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) لا يصبر على الشهوات وعلى مشاق الطاعات ، وعن سعيد بن المسيب : ما أيس الشيطان من أحد قط إلا أتاه من قبل النساء فقد أتى عليّ ثمانون سنة وذهبت إحدى عينيّ وأنا أعشو بالأخرى وإن أخوف ما أخاف عليّ فتنة النساء. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ثمان آيات في سورة النساء خير لهذه الأمّة مما طلعت عليه الشمس وغربت ، (يريد الله ليبين لكم) (والله يريد أن يتوب عليكم) (يريد الله أن يخفف عنكم) (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم) (إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك) (إنّ الله لا يظلم مثقال ذرّة) (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) (ما يفعل الله بعذابكم).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) أي : بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار والربا ، وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) استثناء منقطع أي : لكن أن تقع تجارة على قراءة الرفع وهي قراءة غير عاصم وحمزة والكسائي وأمّا هؤلاء فقرؤوا بالنصب على كان الناقصة وإضمار الاسم أي : إلا أن تكون الأموال تجارة (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أي : فلكم أن تأكلوها (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي : بارتكاب ما يؤدّي إلى هلاكها في الدنيا والآخرة ، وقال الحسن : يعني إخوانكم أي : لا يقتل بعضكم بعضا أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض الجهلة.
روي أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة» (٢).
وروي أنّ الله تعالى يقول : «بادرني عبدي بنفسه فحرّمت عليه الجنة» (٣).
وعن عمرو بن العاص أنه تأوّله في التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه صلىاللهعليهوسلم (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ) يا أمّة محمد (رَحِيماً) حيث أمر بني إسرائيل بقتل الأنفس ونهاكم عنه.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي : ما نهى عنه من قتل النفس وغيره من المحرمات ، وقوله تعالى : (عُدْواناً) حال أي : متجاوزا للحلال وقوله تعالى : (وَظُلْماً) تأكيد وقيل : أراد بالعدوان التعدّي على الغير وبالظلم ظلم الشخص نفسه بتعريضها للعقاب (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ) أي : ندخله (ناراً)
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٢٦٦ ، والقرطبي في تفسيره ١٩ / ٣٩ ، وابن كثير في تفسيره ١ / ٣١٢ ، ٣ / ٤٨٩ ، والسيوطي في الدر المنثور ١ / ١٤٠ ، ٢٤٩ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٩٠٠ ، ٣٢٠٩٥.
(٢) أخرجه البخاري في الأدب حديث ٦٠٤٧ ، ومسلم في الإيمان حديث ١١٠ ، وأبو داود في الأيمان حديث ٣٢٥٧ ، والترمذي في الإيمان حديث ٢٦٣٦ ، والنسائي في الأيمان والنذور حديث ٣٧٧١.
(٣) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء حديث ٣٤٦٣.