يحترق فيها (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي : هينا لا عسر عليه فيه.
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) أي : كلا منها وفسر جماعة الكبيرة بأنها ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة ، وقال جماعة : هي المعصية الموجبة للحدّ ، والأوّل أولى ؛ لأنهم عدوا الربا وأكل مال اليتيم وشهادة الزور ونحوها من الكبائر ولا حد فيها ، وقال الإمام : هي كل جريمة تؤذن أي : تعلم بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ، وقال سفيان الثوري : الكبائر ما كان بينك وبين العباد ، والصغائر ما كان بينك وبين الله ، واحتج بقوله صلىاللهعليهوسلم : «ينادي مناد من بطنان العرش يوم القيامة : يا أمّة محمد إنّ الله قد عفا عنكم جميعا المؤمنين والمؤمنات تواهبوا المظالم وادخلوا الجنة برحمتي» (١).
وهي أشياء كثيرة ، قال ابن عباس : هي إلى السبعين أقرب ، وقال سعيد بن جبير : هي إلى السبعمائة أقرب أي : باعتبار أصناف أنواعها (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي : الصغائر وهي ما عدا الكبائر أي : نكفر بفعل الطاعات كالصلاة والصوم. عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهنّ ما اجتنبت الكبائر» (٢).
ولا بأس بذكر شيء من النوعين فمن الأوّل تقديم الصلاة أو تأخيرها عن وقتها بلا عذر ، ومنع الزكاة ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة ونسيان القرآن ، واليأس من رحمة الله وأمن مكره تعالى ، والقتل عمدا أو شبه عمد ، والكفر ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والإفطار في رمضان من غير عذر ، وعقوق الوالدين والزنا ، واللواط ، وشهادة الزور ، وشرب الخمر وإن قل ، والسرقة ، والغصب وقيده جماعة بما يبلغ ربع مثقال كما يقطع به في السرقة ، وكتمان الشهادة بلا عذر ، وضرب المسلم بغير حق ، وقطع الرحم ، والكذب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وسب الصحابة ، وأخذ الرشوة ، والنميمة ، وأمّا الغيبة فإن كانت في أهل العلم أو حملة القرآن فهي من الكبائر ، وإلا فهي صغيرة ، ومن الصغائر النظر المحرم ، وكذب لا حد فيه ولا ضرر ، والإشراف على بيوت الناس ، وهجر المسلم فوق ثلاث ، وكثرة الخصومات إلا إن راعى حق الشرع فيها ، والضحك في الصلاة والنياحة وشق الجيب في المصيبة ، والتبختر في المشي ، والجلوس بين الفساق إيناسا لهم ، وإدخال مجانين وصبيان يغلب تنجيسهم ونجاسة المسجد ، واستعمال نجاسة في بدن أو ثوب لغير حاجة.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار ، وقيل : الكبائر الشرك وما عداه من الصغائر قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء ، ٤٨ ـ ١١٦] (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً) قرأ نافع بفتح الميم أي : موضعا (كَرِيماً) أي : حسنا وهو الجنة ، وقرأ الباقون بضمها على المصدر بمعنى الإدخال مع الكرامة.
(وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) من جهة الدنيا والدين ؛ لئلا يؤدّي إلى التحاسد والتباغض ؛ لأنّ ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال العباد
__________________
(١) أخرجه البغوي في شرح السنة ١ / ٥١٥ ، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار ٣ / ١٧٨ ، ٥٣٠ ، والزبيدي في إتحاف السادة المتقين ٨ / ٤١.
(٢) أخرجه الترمذي في الصلاة حديث ٢١٤ ، وابن ماجه في الطهارة حديث ٥٩٨.