وبما يصلح للمقسوم له من بسط في الرزق وقبض (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشورى ، ٢٧] فعلى كل أحد أن يرضى بما قسم له علما بأنّ ما قسم له هو المصلحة ولو كان خلافه لكان مفسدة له ولا يحسد أخاه على حظه.
قال مجاهد : قالت أمّ سلمة : يا رسول الله إنّ الرجال يغزون ولا نغزو ولهم ضعف ما لنا من الميراث فلو كنا رجالا غزونا وأخذنا من الميراث مثل ما أخذوا فنزلت هذه الآية ، وقيل : لما جعل الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث قالت النساء : نحن أحوج إلى الزيادة من الرجال ، فإنا ضعفاء وهم أقوياء وأقدر في طلب المعاش منا فنزلت.
وقال قتادة والسديّ : لما أنزل الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين قال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء في الآخرة فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كما فضلنا عليهنّ في الميراث فأنزل الله تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) أي : ثواب (مِمَّا اكْتَسَبُوا) أي : بسبب ما عملوا من الجهاد (وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) أي : من حفظ فروجهنّ وطاعة الله وطاعة أزواجهنّ ، فالرجال والنساء في الأجر في الآخرة سواء ، وذلك أنّ الحسنة تكون بعشر أمثالها يستوي في ذلك الرجال والنساء ، وفضل الرجال على النساء إنما هو في الدنيا (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) أي : لا تتمنوا ما للناس واسألوا الله ما احتجتم إليه يعطكم من خزائنه التي لا تنفد ، فنهى الله عن التمني لما فيه من دواعي الحسد والحسد ، أن يتمنى الشخص زوال النعمة عن صاحبها سواء تمناها لنفسه أم لا ، والغبطة أن يتمنى لنفسه مثل ما لصاحبه وهو جائز ، قال صلىاللهعليهوسلم : «لا حسد ـ أي : لا غبطة ـ إلا في اثنتين» (١) الحديث (إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) فهو يعلم ما يستحقه كل إنسان فيفضل عن علم وتبيان.
(وَلِكُلٍ) من الرجال والنساء (جَعَلْنا مَوالِيَ) أي : عصبة يعطون (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) لهم من المال فالوالدان والأقربون هم المورثون ، وقيل : معناه ولكل جعلنا موالي أي : ورثة مما ترك أي : من الذين تركهم فتكون ما بمعنى من ، ثم فسر الموالي فقال : الوالدان والأقربون أي : هم الوالدان والأقربون ، فعلى هذا القول الوالدان هم الوارثون (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) والمعاقدة المعاهدة والمحالفة ، والأيمان جمع يمين بمعنى القسم أو اليد وذلك أنهم كانوا عند المحالفة يأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد ، ومحالفتهم أنّ الرجل كان في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول : دمي دمك وثأري ثأرك وحربي حربك وسلمي سلمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك وتعقل عني وأعقل عنك ، فيكون للحليف السدس من مال الحليف وكان ذلك ثابتا في ابتداء الإسلام ، فذلك قوله تعالى : (فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ) [النساء ، ٣٣] أي : أعطوهم حظهم من الميراث ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [الأنفال ، ٧٥. وسورة الأحزاب ، ٦].
وقال مجاهد : أراد فآتوهم نصيبهم من النصر والرفد ولا ميراث ، وعلى هذا الآية غير منسوخة لقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة ، ١] وقوله صلىاللهعليهوسلم في خطبته يوم فتح مكة : «لا تحدثوا حلفا في الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به فإنه لم يزده الإسلام إلا شدّة» (٢) قال
__________________
(١) أخرجه البخاري في العلم باب ١٥ ، والزكاة باب ٥ ، والأحكام باب ٣ ، والتمني باب ٥ ، والاعتصام باب ١٣ ، والتوحيد باب ٤٥ ، وأحمد في المسند ٢ / ٩ ، ٣٦.
(٢) أخرجه الترمذي حديث ١٥٨٥ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٠٧ ، ٢١٣ ، والسيوطي في الدر المنثور ٢ / ١٥١ ، ٢٥٣.