(وَإِذا جاءَهُمْ) أي : المنافقين (أَمْرٌ) أي : خبر عن سرايا النبيّ صلىاللهعليهوسلم (مِنَ الْأَمْنِ) أي : الغنيمة (أَوِ الْخَوْفِ) أي : القتل والهزيمة (أَذاعُوا بِهِ) أي : أفشوه وكانت إذاعتهم مفسدة ، والباء مزيدة أو لتضمن الإذاعة معنى التحدّث ، وذلك أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يبعث السرايا فإذا غلبوا بادر المنافقون يستخبرون عن حالهم فيفشونه ويتحدّثون به قبل أن يحدث به رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيضعفون به قلوب المؤمنين ويتأذى النبيّ صلىاللهعليهوسلم (وَلَوْ رَدُّوهُ) أي : ذلك الخبر (إِلَى الرَّسُولِ) أي : لم يحدثوا به حتى يكون النبيّ صلىاللهعليهوسلم هو الذي يحدث به (وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ) أي : ذوي الرأي من الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم (لَعَلِمَهُ) على أي : وجه يذكر أي : (الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي : يستخرجون تدابيره بتجاربهم وأنظارهم هل ينبغي أن يكتم أو يفشى (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالإسلام (وَرَحْمَتُهُ) لكم بإرسال الرسل وإنزال القرآن (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ) فيما يأمركم به من الكفر والمعاصي (إِلَّا قَلِيلاً) أي : منكم فإنهم لا يتبعونه حفظا من الله بما وهبهم الله من صحيح العقل ، والعصمة تقال في حق غير الأنبياء أيضا ؛ لأنها المنع من المعصية ولكن الشائع أن يقال في حق النبيّ معصوم ، وفي حق غيره محفوظ.
(فَقاتِلْ) يا محمد (فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) فلا تهتم بتخلفهم عنك أي : قاتل ولو وحدك فإنك موعود بالنصر من الله وليس النصر إلا بيده وما كان ليأمرك بشيء إلا وأنت كفؤ ، فأنت كفؤ لمقاتلة الكفار وإن كانوا أهل الأرض كلهم ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم واعد أبا سفيان بعد حرب أحد موسم بدر الصغرى في ذي القعدة فلما بلغ الميعاد ودعا الناس إلى الخروج فكرهه بعضهم فأنزل الله هذه الآية.
تنبيه : الفاء في قوله تعالى : (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ) قال البغوي : جواب عن قوله تعالى : (وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) فتأمّل انتهى ..
(وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ) أي : حثهم على القتال ورغبهم فيه إذ ما عليك في شأنهم إلا التحريض (عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ) أي : حرب (الَّذِينَ كَفَرُوا) وعسى في كلام الله وعد واجب الوقوع بخلافها في كلام المخلوق (وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً) أي : صولة منهم (وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً) أي : عقوبة منهم ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «والذي نفسي بيده لأخرجنّ ولو وحدي» (١) فخرج بسبعين راكبا إلى بدر الصغرى فكف الله بأس الذين كفروا بإلقاء الرعب في قلوبهم ومنع أبا سفيان من الخروج كما تقدّم في سورة آل عمران.
(مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً) راعى بها حق مسلم بأن دفع عنه بها ضررا أو جلب إليه نفعا ابتغاء وجه الله ، ومنها الدعاء للمسلم قال صلىاللهعليهوسلم : «من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك : ولك مثله» (٢) أي : مثل ذلك أي : ودعاء الملك لا يردّ (يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ) أي : أجر (مِنْها) أي : بسببها قال أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالسا إذ جاءه رجل يسأل أو يطلب حاجة أقبل علينا بوجهه فقال : اشفعوا تؤجروا وليقض الله على لسان نبيه
__________________
(١) الحديث لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث التي بين يدي.
(٢) أخرجه مسلم في الذكر حديث ٢٧٣٢ ، وأبو داود في الصلاة حديث ١٥٣٤ ، وابن ماجه في المناسك حديث ٢٨٩٥.